حينما كنت أتنقل بين قناة وأخرى بحثا عن فيلما أشاهده، وقعت بالصدفة في فيلم أبيض و أسود فدققت النظر فيه بحثا عن إسماعيل ياسين وعبد الفتاح القصرى، حتى أستكمل فيلم " حرام عليك" الذى أحفظه جيدا أو ما يسمى فيلم المومياء كما يطلق عليه شعبيا، لكنى لم أشاهد إسماعيل ياسين أو بقية نجوم العمل، لكننى شاهدت فيلما أجنبيا يكاد يكون نسخة طبق الأصل من الفيلم المصرى حتى في شكل المومياء نفسها، ثم سألت نفسى سؤالا مباشرا، هل أستكمل مشاهدة الفيلم الأجنبي أم أكتفى بالنسخة العربية المحببة لقلبى، فقررت ألا أفسد ضحكتي أو حتى أبحث عن أيهما اقتبس الفيلم من الآخر مع قناعتى الداخلية بأننا المقتبسون، لكنى أمنت أن الفيلم الذى أنتج عام 1953 تقريبا أي منذ 70 عاما يحمل من الإخلاص في التنفيذ أكثر من الفيلم الأجنبي، ولذلك فهو لا زال يحافظ على ضحكتي و صوتها الرنان.
فى متابعة الأفلام الأجنبية، أجدنى أحدث زوجتى دائما عن وسائل المقارنة، وكيف أن فيلما من إنتاج 1970 أو ما بعدها يحمل من المهارة والتنفيذ والكفاءة يجعلك تتسآل لماذا لم نصل نحن لهذا المستوى حتى الآن، فالأفلام باللغة الشعبية الدارجة "مصروف عليها"، ومظاهر الإنفاق هنا تتمثل في السيناريو والحوار والأبطال والإخراج وديكورات العمل و عدم البخل بالتضحية في كل التفاصيل حتى يصل العمل لمرحلة الاستمرارية والعالمية، ولك أن تتخيل أن مسلسل يصنع في أسبانيا أو كوريا أو غيرها ونشاهده نحن في أقصى البلاد ونتابع أجزاءه جزءا جزءا، فهل بالتفكير بطريقة عكسية، هل هناك مسلسل محلى وصل إلى مرحلة الإقليم وليس العالمية، وهو السؤال الأكثر استقامة، لماذا لم نصل لتلك المرحلة حتى الآن؟!.
قوة الإدراك هي القوة الأعظم في صلاح أي منظومة عمل، وهى أن يدرك الفرد أن قيمته تؤثر في غيره على بعد مئات الأميال، فلذلك يخلص للتجربة التي ينتمى لها، ويقدم فيها منتجا جيدا يناسب اسمه وطموحه، ويعيش له ولأسرته، ولذلك فالوظائف في دولا أخرى يكون لها سعر أعلى من غيرها بناء على خبرة الشخص و المنتج الذى قام به مسبقا، وهو ما يذهب بنا لفكرة المناخ الداعم للإبداع في كافة المجالات.
فيلم أصحاب و لا أعز، ليس مجالا للتقييم في حد ذاته، فهو يعرض على منصة عالمية بها آلاف الأفلام التي تفوقه جراءة، لكن مجال التقييم الذى نملكه هو حرية الفن في مجتمعات تفشت فيها الأمية، ووفق كافة الاستطلاعات فعدد القراء يقل عاما بعد عام، فهل نحن لدينا القدرة والقوة بأن نستأمن عقولا لم نعلمها على أفلام لا ندرك هدفها، أظن الإجابة واضحة، بأننا يجب أن نواصل وسائل الضبط التقليدية، حتى نصل لمنتج مضاد قوى قادر على المنافسة، وعقولا متعلمة قادرة على الفرز و الاختيار، وحتى نصل لتلك المرحلة فلا نملك سوى مجال المبارزات الفكرية والثقافية الذى يجب دعمها بكل قوة حتى تفرز تفاعلا حول القضايا المثارة، وذلك التفاعل يحي عقول المواطنين ويغذيهم، خاصة أن المصريين غذائهم الروحى هو لسانهم وتشغيل عقولهم، وكما يقول المثل الشعبى " لاقينى ولا تغدينى"، أي أن الاستقبال الجيد والحديث الطيب أهم من الأكل والشرب والفيلم نفسه، وحديث الروح لدى المصريين طوال عقد من الزمان تغيرت أولوياته و تبدلت مجالات التنفيس فيه، لذلك فوسائل الدعم و التسويق لذلك الاختلاف الطارئ حول فيلم، هو وسيلة مناسبة للغاية للحماس حولها ودعمها، ثم الأهم هو دعم المنصات الوطنية الناشئة وتسويقها بأكبر قدر وبمنتجات فنية وطنية تعيش في وجدان الناس لفترة كبيرة ،وتستطيع التنافس والتفوق على الآخرين، حتى يكون لدينا في يوم من الأيام منصات وطنية فنية تصل للعالم.