مع تزايد حالات المتحور الجديد لفيروس كورونا "أوميكرون" بدأ البعض يدفع في اتجاه تعطيل الدراسة، وتقليل نسب الحضور والانصراف في المصالح الحكومية، وتقليص الأعداد، بصورة تتناسب مع حجم الانتشار الوبائي، والدفع في اتجاه البقاء في المنزل و"التنبلة"، التي كانت تجربتها في غاية السوء منذ العام 2019، حتى الآن، ليس على مصر فقط، بل على مستوى دول العالم بالكامل، وخلقت مشكلات غير محدودة أعقبها ارتفاع معدلات التضخم، مع كل ما يرتبط به من أزمات في الوقت الراهن.
مازالت قناعاتي ثابتة من أن تعطيل الدراسة أو تقليل الأعداد أو التشجيع على العمل من المنزل لن يقلل من ظهور أوميكرون، الذي يتميز بأنه "سريع الانتشار" ومستويات العدوى المرتبطة به أخطر كثيراً من كوفيد 19، فالأول كان متوسط العدوى للشخص الواحد من 2 إلى 4 أشخاص، بينما أوميكرون يمكن للمصاب أن ينقل العدوى لـ 15 شخص تقريباً، وهذه نسبة مرتفعة جداً، لن يجدى معها البقاء في المنزل أو النزول إلى الشارع أو الاعتكاف في البيت، أو التقليل من الذهاب إلى الجامعة أو الاستمرار لحين انتهاء الفصل الدراسي، أو الامتحانات الإلكترونية أو الورقية، فالأمر لم يعد كما كنا نتصور، ومن الممكن جداً أن تصلك العدوى حتى لو كنت داخل المنزل.
لا يمكن لدولة تطمح في المزيد من العمل والإنتاج مثل مصر أن تتجه إلى الإغلاق الجزئي أو الكلى، أو حتى التشجع عليه جهراً أو في الخفاء، فنحن نحتاج إلى قدرة كل عامل وموظف ومهندس وطبيب ومعلم، ولا نستطيع دفع تكلفة التوقف أو التعطل حتى لو كان لوقت قصير، لذلك لا ينبغي أن نضغط على الحكومة أو نقود حملات عبر السوشيال ميديا، للمناداة بتعطيل الدراسة أو فرض إجراءات طارئة من شأنها أن تلقى تبعات اقتصادية قاسية علينا خلال الفترة المقبلة، وتقود نحو مشكلات لا يمكننا تحمل نتائجها.
أتصور أن اللقاحات ساهمت بدور كبير في تكسير الفيروس المستجد، بل وإضعافه بصورة غير مسبوقة، وقد أصبحنا في الطريق إلى مناعة مجتمعية حقيقية، بعدما صارت المتحورات الجديدة عن كورونا أضعف وأقل تأثيراً، بالإضافة إلى أن جرعات التطعيم التنشيطية التي يتم التوسع فيها الآن سوف تخلق مناعة لـ 6 أشهر أو أكثر سوف يتوالى فيها ضعف الفيروس، كما يؤكد الأطباء والخبراء، لذلك يجب أن نلتزم فقط بالإجراءات الاحترازية العادية، مثل الكمامة والتباعد الاجتماعي، والتقليل من ارتياد الأماكن المزدحمة قدر المستطاع، بالإضافة إلى ضرورة عزل كل الحالات التي يشتبه في إصابتها بـ أوميكرون، أو تأكدت إصابتها فعلياً من خلال المسحة أو التحاليل الطبية، حتى نقلل من حدة انتشار العدوى، دون أن نفرض إجراءات طارئة، كما كان يحدث من قبل، مثل غلق المدارس أو المستشفيات أو المصالح الحكومية، أو الأندية والتجمعات الرياضية.
كورونا باتت قاب قوسين أو أدنى أن تصبح أحد الأمراض الموسمية العادية، التي يتم علاجها ببروتوكولات معروفة ومعتمدة، وسوف يحصل العلماء على فرصة أكبر من البحث والدراسة والعمل دون ضغوط، لابتكار علاجات فعالة وآمنة تتخلص منها إلى غير رجعة، ويتحول الفيروس من جائحة عالمية إلى مرض انتهازي موسمي ينشط في فصل الشتاء من كل عام، وظهوره وانتشاره لا يشكل الخطورة الكبيرة على البشرية كما كان في فترته الأولى، بالإضافة إلى أن التوسع في التطعيمات واللقاحات التي باتت متوفرة بكثرة في أغلب دول العالم، سوف يدفع نحو تعزيز مناعة القطيع، ويخفف الضغط على المستشفيات، ويقلل الأعراض بصورة عرفناها جميعاً مع المتحور أوميكرون الذى يمر كأنه دور برد تقليدي، ينتهى في فترة من 3 إلى 5 أيام، لذلك لا تدفعوا نحو تعطيل الدراسة أو الإغلاق فالوضع مستقر وآمن.