القرار "الهدية" الذى أصدره الرئيس عبد الفتاح السيسي برفع الحد الأدنى للأجور إلى 2700 جنيه الأسبوع الماضي، يحمل أكثر من معنى على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي.. ولا فارق – بالتأكيد- بين المستويات الثلاثة.
فهناك إجماع أن صدور القرار الذي يهم ملايين المصريين سواء من العاملين في الحكومة أو في القطاع الخاص، يثبت ثقة القيادة السياسية في اتخاذ القرارات ذات البعد الشعبي والجماهيري وتداعياتها الإيجابية، وما يسببه القرار من تجسير العلاقة بين القائد والشعب والقائمة على الصدق والصراحة والشفافية، كما يدل على أن القيادة في الجمهورية الجديدة ترتكز على مبدأ الفعل وليس الوعد والقول فقط... فقد صرح الرئيس من قبل أن الشعب المصري هو البطل في برنامج الإصلاح الاقتصادي وتحمل بوعي وصبر تبعات الإصلاح رغم قسوتها وبالتالي يستحق رد الجميل كلما حانت الفرصة وتوفرت حصيلة مالية فائضة عن الميزانية العامة
المعنى السياسي المباشر يكشف عن حقيقة لم تتغير منذ تولي الرئيس مقاليد الحكم، وهي أن المواطن يأتي كأولوية أولى في كافة قرارات وتوجهات ومشروعات وأعمال الدولة والحكومة، سواء جاء ذلك متجسدا في الزيادة المالية المباشرة بتحريك الأجور والمرتبات والحد الأدنى والحوافز، أو من خلال البرامج الاجتماعية والصحية أو عبر المشروعات القومية الكبرى التي توفر ملايين فرص العمل.
وأتذكر أن من بين مطالب فئات الشعب في كل الأوقات، ضرورة رفع الحد الأدنى إلى 1200 جنيه. وظل هذا المطلب في ذاكرة القيادة السياسية حتى عام 2019، ومع بدء جني ثمار الإصلاح الاقتصادي زاد الحد الأدنى للأجور بنحو 225%، وارتفعت قيمته من 1200 جنيه إلى 2700 جنيه، وهو ما لم يحدث قبل تحقيق الدولة المصرية فوائض في الميزان الأولي للموازنة العامة للدولة، إلى جانب تحريك المرتبات والمعاشات عدة مرات خلال السنوات القليلة الماضية.
قراءة زيادة الحد الأدنى اقتصاديا تكشف مدى النجاحات الاقتصادية التي تشهدها مصر فى الفترة الأخيرة بما يعني أن الإصلاح الاقتصادي يسير إلى وجهته الصحيحة- كما تؤكد المؤسسات الدولية المعنية.
فمصر لم تتوقف في برنامجها في جائحة كورونا ولم توقف برامجها في تنفيذ مشروعاتها القومية الكبرى واستمراراها في ضخ الاستثمارات وجذب المستثمرين من كل مكان، ودعم القطاعات المتضررة مثل السياحة والعمالة الموسمية. وأدى ذلك إلى دفع الاقتصاد لتحقيق معدلات نمو، والتي تعد من أكبر معدلات النمو في العالم، ونجحت فى إنهاء العام المالي الماضي بمعدل نمو يقترب من 3% مع استهداف معدل نمو العام المالي الجاري 5.4%.
يعني ذلك أيضا أن قرار زيادة الحد الأدنى سبقه تمهيد البيئة الاقتصادية، بما يجعلها تتحمل قرار رفع الأجور الذي يستفيد منه حوالي 5 ملايين موظف في الجهاز الحكومي، بزيادة تتحملها موازنة الدولة، حيث سيزيد بند الأجور في الموازنة الجديدة إلى نحو 400 مليار جنيه من 361 مليار جنيه في الموازنة الحالية 2021/2022.
اجتماعيا، فلا شك أن القرار يمنح قطاعا عريضا من المواطنين في مصر مساحة كبيرة من الراحة الاجتماعية، والشعور والإحساس بمدى اهتمام القيادة السياسية بشريحة اجتماعية مهمة من الشعب المصري، إضافة الى حزمة المبادرات الاجتماعية الأخرى مثل تكافل وكرامة وحياة كريمة
التي تحقق عدالة التنمية وتقليل الفجوة بين الصعيد والريف والعواصم والمدن الكبرى في مصر بهدف تحقيق التنمية المستدامة.
تحريك الحد الأدنى لم يكن وحده، فقد تم إقرار علاوتين بتكلفة نحو 8 مليارات جنيه، الأولى علاوة دورية للموظفين المخاطبين بقانون الخدمة المدنية بنسبة 7% من الأجر الوظيفي، والثانية علاوة خاصة للعاملين غير المخاطبين بقانون الخدمة المدنية بنسبة 13% من المرتب الأساسي. وزيادة الحافز الإضافي لكل من المخاطبين وغير المخاطبين بقانون الخدمة المدنية بتكلفة إجمالية حوالي 18 مليار جنيه، وإجراء إعلان لتعيين 30 ألف مدرس سنوياً لمدة 5 سنوات، وذلك لتلبية احتياجات تطوير قطاع التعليم، واعتماد حافز إضافي جديد لتطوير المعلمين بقطاع التعليم، ليصل إجماليها إلى نحو 3.1 مليار جنيه.
وشملت القرارات أيضا تخصيص مبلغ 1.5 مليار جنيه لتمويل حافز الجودة الإضافي لأعضاء هيئة التدريس ومعاونيهم بالجامعات والمراكز والمعاهد والهيئات البحثية، فضلاً عن تمويل تنفيذ القانون الجديد الخاص بمرتبات الأساتذة المتفرغين، وضم تخصصات طب الأسنان والعلاج الطبيعي والتمريض إلى القرار السابق برفع مكافأة أطباء الامتياز، والتي تصرف لهم خلال فترة التدريب في سنة الامتياز.
القرار الذي سيتم تطبيقه في يوليو المقبل يترقبه أيضا العاملون في القطاع الخاص، وهو القطاع الذي يستوعب العدد الأكبر من العمالة ف مصر-حوالي 27.5 مليون عامل وموظف- ومعرفة إمكانية الاستفادة منه سواء باستجابة شركات القطاع الخاص في مصر مع القرار، أو بتوجيه الحكومة بتطبيق القرار، وسط تأكيدات من المجلس القومي للأجور، بأن قرارات الرئيس السيسي، تطبق على جميع العاملين في مصر بالقطاعين العام والخاص. وهذا ما يتمناه ويأمله كافة العاملين في القطاع الخاص.
ولو حدث ذلك فسوف يكون اجمالي عدد المستفيدين من قرار الحد الأدنى حوالي 33 مليون موظف- أي أسرة أيضا- في القطاع العام والخاص، أي حوالي في المتوسط أكثر من 70 مليون أسرة.