فى كل مناسبة تهل على مصر يوم 25 يناير من كل عام يحرص الرئيس عبد الفتاح السيسى، ومنذ توليه مقاليد الحكم، على الاحتفال بذكرى هذا اليوم المجيد والخالد فى تاريخ مصر وذاكرة المصريين.. فهو يوم شاء القدر أن يتوافق مع مناسبتين لا يمكن لواحدة فيهما أن تتبوأ مكانة الأخرى، لأن كل منها تؤصل لنضال وكفاح جزء من هذا الشعب الأصيل ضد الاحتلال الإنجليزى فى الإسماعيلية، ولرغبة شعب بأكمله فى التغيير والعيش بحرية وكرامة والتطلع الى مستقبل أفضل.
لذلك يأتى 25 يناير كل عام لنحتفل فيه بذكرى عيد عزيز وغالٍ على المصريين، وهو عيد الشرطة الذى جاء تخليدًا لذكرى موقعة الإسماعيلية التى راح ضحيتها خمسين شهيدا وثمانين جريحًا من رجال الشرطة المصرية على يد الاحتلال الإنجليزى فى 25 يناير عام 1952، بعد أن رفض رجال الشرطة تسليم سلاحهم وإخلاء مبنى المحافظة للاحتلال الإنجليزي.
الواقعة لم تقتصر فقط على مقاومة رجال الشرطة المصريين الأبطال والبواسل بقيادة الضابط مصطفى رفعت، ورفضهم الاستسلام للقوات الإنجليزية، وإنما كانت ثورة أيضا ضد الاحتلال فى منطقة القناة، ففى تلك الفترة وعقب إلغاء اتفاقية أو معادة 36 مع السلطات البريطانية، ثار شباب مصر واندفع إلى منطقة القناة لضرب المعسكرات البريطانية فى مدن القناة، ودارت معارك ساخنة بين الفدائيين وبين جيش الاحتلال. وأعلن عمال مصر -حوالى 92 ألف عامل- تضامنهم مع نضال الشباب ورجال الشرطة وتركوا معسكرات البريطانيين للمساهمة فى حركة الكفاح الوطنى، كما امتنع التجار عن إمداد المحتلين بالمواد الغذائية.
الأمر الذى أزعج حكومة لندن فهددت باحتلال القاهرة إذا لم يتوقف نشاط الفدائيين، ولم يعبأ الشباب بهذه التهديدات ومضوا فى خطتهم غير عابئين بالتفوق الحربى البريطانى، واستطاعوا بما لديهم من أسلحة متواضعة أن يكبدوا الإنجليز خسائر فادحة.
ويحاصر أكثر من 7 آلاف جندى بريطانى مبنى محافظة الإسماعيلية والثكنات والذى كان يدافع عنهما 850 جنديا فقط، مما جعلها معركة غير متساوية القوة بين القوات البريطانية وقوات الشرطة المحاصرة، التى دافعت ببسالة عن أرضها بقيادة البطل مصطفى رفعت حتى سقط منهم خمسون شهيدًا والعديد من الجرحى الذين رفض العدو إسعافهم.
واعتبر المصريون وبعد قيام ثورة 23 يوليو معركة الإسماعيلية عيدا للشرطة المصرية نحتفل به كل عام، حتى اندلعت أحداث ثورة 25 يناير 2011 – أى بعد 59 عاما من معركة الإسماعيلية- التى قامت ضد فساد السلطة والرغبة فى التغيير والحرية والكرامة الإنسانية، وقررت الحكومة وقتها اعتبار هذا اليوم مناسبة قومية للاحتفال به كل عام.
فى الأعوام الأولى وبعد 25 يناير 2011 حاول أصحاب النفوس الضعيفة والذين فى قلوبهم غرض ومرض إحداث الوقيعة بين العيد -عيد الشرطة- والثورة فى 25 يناير، ووضع كل مناسبة وطنية تتعلق بنضال وكفاح وتضحيات شعب فى مواجهة الأخرى.. بل – والأحداث والوقائع ما زالت حاضرة ونحن شهود عيان عليها- طالب عدد من " ثوار الفضائيات" فى ذلك الوقت وقد كانوا كثر، وبكل وقاحة وجرأة وغباء وجهل اعتبار 25 يناير هو المناسبة الوحيدة التى يجب أن تكون عيدا قوميا للبلاد، وليست ثورة 23 يوليو أو عيد الشرطة أو حتى عيد جلاء الاحتلال الإنجليزى عن مصر.
وكان من المحزن أن تمر ذكرى تضحيات وفداء الشرطة المصرية فى العامين اللاحقين دون الإشارة لها، وكأنها كانت جريمة لمجرد أن قام بها رجال الشرطة، ولم تكن بطولة ضد القوات البريطانية. وكأن 25 يناير 2011 كانت مجرد ثورة ضد جهاز الشرطة، وليست من أجل التغيير الشامل والعدالة الاجتماعية.
الذين حاولوا إشعال نار الفتنة والوقيعة والخصومة بين العيد والثورة هم الذين اختزلوا يناير 2011 فى مجرد انتفاضة غضب من شريحة مجتمعية فى مصر ضد الشرطة بأكملها، وليس ضد ممارسات بعض أفرادها كان يرفضها الجميع، وليست ثورة شاملة ساهم فى اشتعالها غباء نظام تباطأ فى الاستجابة للمطالب المحددة فى البداية، وأطلق مقولته الشهيرة والمستفزة: "خليهم يتسلوا".
هذه الحالة من الخصومة استفادت منها جماعة الإخوان الإرهابية مع صعودها للسلطة، وحاولت ترسيخها بل ولم تحتفل بعيد الشرطة فى العام التالى بهدف محاولة اكتساب مشروعية لها سياسيا من خلال شعارات 25 يناير 2011 والتى كانت بعيدة عنها كل البعد.
هذا الخصام المفتعل من "المراهقين الثوريين" – الذى ما زال موجودا لدى بقاياهم- أنهته ثورة 30 يونيو وقضى عليه الرئيس عبد الفتاح السيسى رغم التربص الذى أبداه "وكلاء ثورة 25 يناير".
مع ذكرى من يناير كل عام بعد تولى الرئيس مقاليد الحكم، لكن خاب ظنهم، فثورة 30 يونيو أصلحت ما خربته جماعة يناير وجماعة الاخوان وأعادت الاعتبار للمناسبة الغالية العزيزة فى يناير 52 مع مناسبة الثورة الجديدة، فنضال وكفاح الشعوب وتضحياته وثوراته يجب أن تحترم وتقدر وتبقى خالدة فى صفحات التاريخ بأسطر من نور، فطوال قرنين من الزمان ناضل المصريون من أجل حريتهم واستقلالهم وكرامتهم، منذ الاحتلال الفرنسى، ولا يمكن إلغاء هذا التاريخ أبدا مهما كانت الحجج أو المبررات.
الشعب المصرى يحتفل بذكرى تضحيات رجال الشرطة فى عيدهم ويحتفل بثورة 25 يناير فى ذكراها كل عام فهذا اليوم – وكما قال الرئيس السيسي- سيظل خالدا فى ذاكرة المصريين يذكرنا ببطولات رجال الشرطة، الذين قدموا فى موقعة الإسماعيلية عام 1952 خير مثال على التضحية والفداء من أجل الوطن مهما كانت الصعوبات، وهى الروح التى استلمهما أبطال الشرطة على مدار السنوات الماضية، فقدموا أرواحهم لتخليص الوطن من آفة الإرهاب وفتحوا بدمائهم الطريق أمام التنمية والعيش الكريم لأبناء الشعب، وهو ما طالب به المصريون فى ثورة الخامس والعشرين من يناير.
وهنأ الرئيس كل المصريين بمناسبة عيدى الشرطة وثورة الخامس والعشرين من يناير، ودعا الجميع لاستنهاج الهمم من أجل مستقبل أفضل تستحقه مصر. هذه هى الرسالة الواضحة التى يجب أن تصل للجميع. فنحن نحتفل ونعتز ونفخر بـ"العيد" و"الثورة".