الخلاف بين الحكومة والبرلمان حول قانون الخدمة المدنية المرفوض لم يكن كبيرا، وكان من الممكن التوصل إلى تسوية سياسية بين الجانبين، استنادا إلى تفهم عدد كبير من النواب لمغزى القانون وهدفه، رغم اتجاههم للتصويت ضده فور طرحه للمناقشة، لكن أعضاء البرلمان فيما يبدو أرادوا من خلال رفض القانون فى صيغته الأولى إثبات انحيازهم لجموع الموظفين، الذين وصل إليهم بطريقة ما أنهم متضررون من القانون، وعندما تم عرض القانون على المجلس فى صيغته الثانية، انحصر الخلاف بين الحكومة والبرلمان فى 8 مواد متعلقة بثلاث قضايا فقط، هى حق الموظف فى التسوية بالمؤهل الأعلى والعلاوة الدورية والأجور.
نواب البرلمان يرون جوهر القانون فى القضاء على الفساد والترهل فى الجهاز الإدارى للدولة، وليس الخلاف حول بنود الأجور والعلاوة الدورية، وكيف أننا نحتاج لوضع ضوابط للحد من الفساد والبيروقراطية، وأن يقدم الموظفون خدمة حقيقية للمواطنين، فمصلحة الموظفين بالدولة ليست فى اتجاه واحد، وإنما يقابلها مصلحة جميع المواطنين فى الحصول على الخدمة بدون روتين معطل، ودون أن يضطروا لتقديم الرشاوى لإنجاز مصالحهم فى الوقت المناسب.
ومن هنا كان الحرص من جانب ممثلى الحكومة على التأكيد مجددا على جوهر القانون للنواب باستفاضة قبل الدخول فى التفاوض حول المواد الخلافية، وعندما عقدت لجنة القوى العاملة جلساتها مع أشرف العربى، وزير التخطيط، وممثل الحكومة لحسم هذه الخلافات، كانت الاستجابة من الحكومة كاملة، بعد استعراض المكاسب والخسائر والتبعات وتكاليف المطالب التى يريد البرلمان من الحكومة تضمينها القانون.
لجنة القوى العاملة مثلا، تمسكت بوضع مادة خاصة بالتسوية فى القانون الجديد، تعطى العامل والموظف حق التسوية بالمؤهل الأعلى الذى حصل عليه قبل أو أثناء الخدمة، وتنص على أنه: «يجوز للموظفين الحاصلين على مؤهلات أعلى قبل الخدمة أو أثنائها، التقدم للوظائف الخالية بالوحدات التى يعملون بها، أو غيرها من الوحدات، متى كانت تلك المؤهلات متطلبة لشغلها، وبشرط استيفائهم الشروط اللازمة لشغل هذه الوظائف».
وفيما يتعلق بقيمة العلاوة الدورية والخلاف بين الحكومة والبرلمان حول تحديدها بـ%5 أم %7، نجحت لجنة القوى العاملة فى إقناع وزير التخطيط وممثل الحكومة بزيادة العلاوة الدورية بالقانون إلى %7 من الأجر الوظيفى، ليعلن بعدها الوزير عن التوافق مع البرلمان، كما رأت اللجنة أن يتم زيادة حافز التميز العلمى إلى %7 من الأجر الوظيفى، على أن تنص المادة 39 من مشروع القانون على أن يُمنح الموظف الذى يحصل على مؤهل أعلى أثناء الخدمة حافز تميز علميا، ويمنح الموظف هذا الحافز إذا حصل على درجة الماجستير أو ما يعادلها أو دبلومين من دبلومات الدراسات العليا، مدة كل منهما سنة دراسية على الأقل، كما يمنح الموظف علاوة تميز أخرى، إذا حصل على درجة الدكتوراة أو ما يعادلها، ويكون حافز التميز العلمى بنسبة %7 من الأجر الوظيفى.
الغريب أن إعلان وزير التخطيط عن استجابة الحكومة لكل مطالب البرلمان، بخصوص قانون الخدمة المدنية المعدل، تبعه تلقى نواب البرلمان تهديدات سياسية حال موافقتهم على القانون، كما أعلنت حركات وتجمعات تزعم التعبير عن الموظفين بالدولة عن تنظيم مظاهرات أمام مجلس النواب للتنديد بالقانون، رغم استجابة الحكومة لكل التعديلات.
النواب من جانبهم أبدوا عدم اكتراثهم بالتهديدات السياسية، ورفعوا شعار «اللى عايز يعمل إصلاح بجد ميخفش حد يتهمه بأى شىء، كلنا فى مركب واحد ويهمنا ننهض ببلدنا».
برافو الحكومة.. برافو مجلس النواب.