طلال أبو غزالة، أحد الشخصيات العربية الملهمة والمؤثرة، ليست فقط على مستوى مجتمع الأعمال والاقتصاد والمحاسبة والاستشارات الإدارية، لكن أيضا على المستوى الإنساني وتحدي الصعاب والظروف، من لاجيء فلسطيني دفعته الظروف والأقدار إلى مغادرة وطنه تحت وطأة الاحتلال الإسرائيلي، إلى جنوب لبنان، على متن باخرة، استقرت به في سواحل صيدا، حيث عاش طفولته وبداية الشباب، ثم انتقل إلى بيروت، والتحق بالجامعة، وبدأ حياته العملية من الكويت كمحاسب، ثم أسس شركته الخاصة في مجالات المحاسبة والملكية الفكرية في العام 1972، لتبدأ رحلة طويلة في عالم الأعمال والبيزنس.
استوقفتني مجموعة من اللقاءات التي قدمها طلال أبو غزالة في عدد من القنوات الفضائية العربية والأجنبية خلال السنوات الماضية، وقد أخذتني عباراته وكلماته المؤثرة، التي تحمل عشرات المعاني والدروس، بداية من تفوقه الدراسي، الذي لم يكن اختيارياً، بل إجبارياً، حتى يحصل على المنح اللازمة لاستكمال دراسته، فلا تملك أسرته ما يمكنها من تعليمه، ووالده غير قادر على الكسب والعمل، وقد تقدم به السن، وأسرته مكونة من 13 فرداً، وتحتاج إلى التعليم والطعام والشراب والرعاية.
لم يكن طلال أبو غزالة الأكبر سناً في أسرته، بل كان يسبقه العديد من الإخوة والأخوات، لكنه كان أنضجهم عقلاً وقدرة على تحمل المسئولية، لدرجة أن والده عهد إليه بأمور الأسرة عندما كان في الـ 16 من عمره، وهنا يحكي كيف كان يعمل في سوق الخضروات والفاكهة، يعد الأقفاص، ويكتب الآجل والمستحق على التجار، وكيف كان يبيع البوظة والآيس كريم ويحملها على رأسه ليحصل على "فلسات" بسيطة لأسرته، التي قرر تحمل مسئوليتها عن طيب خاطر، وتحدى كل الظروف لينقلها إلى بر الأمان.
لطلال أبو غزالة قصة شهيرة عن تعلقه بالموسيقى، لكنها في الحقيقة، ليست مجرد حكاية عابرة، بل نموذج مثالي لمبدأ حب ما تعمل حتى تعمل ما تحب، وجوهر الإتقان في العمل الذي نفتقده الآن، فقد كان في حاجة للعمل، وذهب إلى محل يبيع الأسطوانات الموسيقية لطلب العمل، فسأله المالك، هل تفهم في الموسيقى ومجال بيع الأسطوانات؟ فأجابه طلال: لا.. فقال له المالك إذن ما الحاجة إليك؟! فكان رد الشاب الصغير بأن جربني لمدة شهر، ولن تخسر شيء، فإن نجحت اعطنى راتب وإن فشلت اطردني، فما كان من المالك أمام وجاهة المنطق إلا أن يوافق، وبالفعل عمل طلال أبو غزالة في هذ المحل لمدة عام، تعلم فيه أنواع وفنون الموسيقى، وتعلق بها حتى يومنا هذا، وصارت بينه وبينها حب لا ينقطع.
عند ذهاب طلال أبو غزالة إلى المدرسة الثانوية مزقوا أوراقه لأنه لا يملك مصروفات الالتحاق، ويرغب في الحصول على منحة، وهذه الأخيرة تشترط أن يثبت الطالب تفوقه أولاً، ثم يحصل عليها، لكنه أصر على تحقيق حلمه، فذهب بنفسه إلى مدير المدرسة ليلاً وطرق بابه طلباً الكفالة لمدة فصل دراسي واحد، على وعد أن يكون الأول في كل المواد الدراسية، فوافق المدير أمام إصرار الشاب الصغير، وأعطاه الفرصة وقد كان محل ثقة، لدرجة أنه كان الأول على لبنان بالكامل في المرحلة الثانوية، ويحكى عن هذه التجربة فيقول:" الفقر في أوقات كثيرة يكون دافع للتميز والنجاح".
يحكى طلال أبو غزالة، خلال دراسته في الجامعة الأمريكية ببيروت أنه كان يحصل على 3 ثمرات تفاح يومياً، كان يحتفظ بها لمدة أسبوع كامل، ثم يذهب في يوم العطلة إلى أسرته ومعه 21 ثمرة تفاح، كان ينتظره الجميع، ويهللون بقدومه، وهو يحمل التفاح، فقد تبنى منذ صغره أن السعادة في أن تعطى لا أن تأخذ، لذلك كون أكبر مجموعة عربية في مجالات المحاسبة والاستشارات الإدارية والتكنولوجية والتدريبية، وصار مصدر فخر لكل عربي، بأن نافس كل المجموعات الدولية الكبرى في مجال تخصصه، وعينته الأمم المتحدة رئيساً للائتلاف العالمي لتقنية المعلومات والاتصالات والتنمية.
طلال أبو غزالة، له فلسفة خاصة في العمل والإنجاز، ولا يعترف بفكرة الإجازات أو الراحة، ويرى أن القطاع الخاص لا يجب أن يتوقف عن العمل والإنتاج حتى في العطلات الرسمية، حتى يمكن لهذه الأمة أن تنهض وتقوم وتعاود مجدها مرة أخرى، وهو أيضا قومي عربي، يجب مصر كثيراً، وقال في أحاديث عديدة أنها ستصبح من أقوى اقتصادات العالم بحلول 2030، انطلاقاً من أنها بدأت الاستثمار في المستقبل، وتسعي نحو الاستفادة القصوى من ثرواتها وما تملك، وهذا طريق النجاح.