شهداء بدر صانعو التاريخ
خرج الرسول، صلوات الله عليه، يوم بدر فى ثلاث مائة وخمسة عشر نفرا من أصحابه، وبينما هم يصطفون حوله نظر إليهم وقلب ناظريه فيهم وقال «اللهم إنهم حفاة فاحملهم، اللهم إنهم عراة فاكسهم، اللهم إنهم جياع فأشبعهم»، فأكرمهم الله فى ذلك اليوم المشهود، فعادوا من حربهم المهمة وما منهم رجل إلا وقد رجع بجمل أو جملين، واكتسوا وشبعوا، لكن ظل هناك 14 رجلا مؤمنا لم يعودوا فقد سالت دماؤهم الطاهرة على الرمال ولفظوا الشهادة موعودين برحمة الله وفضله، 6 رجال من المهاجرين و8 من الأنصار، عليهم أن يعرفوا الآن أنهم باستشهادهم أحيوا دين الله فى الأرض.
كان يوم بدر يوما فاصلا بين الظلام والنور وإعلاء لكلمة فى مواجهة كلمة، حتى إنه يمكن القول بأن كل التاريخ الذى حدث بعد ذلك مدين لهذا اليوم العظيم، فالإسلام كان فى اختبار صعب وكان مصيره مرتبطا بهذه المعركة، فعلى الرغم من كونها حدثت فى السنة الثانية للهجرة فى 17 من رمضان، أى بعد نحو 15 سنة من البعثة، فإنها كانت بمثابة ميلاد جديد، فالأمر لا تكمن قيمته فقط فى التفوق الحربى أو الخطة العسكرية الناجحة التى لجأ إليها رجال الله المتوكلون على ربهم مصحوبين بالإيمان والتخطيط الجيد ولا حتى فى أن فئة قلية هزمت فئة كثيرة بإذن ربها، لكن الحالة فى ذلك اليوم يمكن اختصارها فى مقولة «أكون أو لا أكون» المشهورة التى صاغها شكسبير على لسان «هاملت» بعد هذه المعركة بقرابة الألف سنة.
انتهت المعركة الشهيرة بانتصار المسلمين على قبيلة قريش بما لها من تاريخ ومكانة اجتماعية كبيرة اهتزت فى هذه اللحظة الحاسمة، بدأت العد التنازلى للانهيار الذى حدث بعد ذلك فى سنوات قليلة وصولا لفتح مكة، فقد خرجت القبيلة الكبيرة خاسرة من حرب اعتبرها زعماؤها فى بداية الأمر مجرد نزهة، وتمخض الأمر عن سبعين رجلا ميتا، ومثلهم أسرى.
تظل هذه الحوادث الكبرى تمدنا بالمدد الواجب للاستفادة من الأفكار الكبرى فى تاريخ الإنسان، وقد كرم الله المشاركين فى هذه الحرب وأعلى قدرهم وضربوا هم أروع الأمثال فى كل شىء ومنها الموقف العظيم من الأسرى، والاهتمام بالعلم، ونصرة الله والنفس، وعن أبى هريرة، رضى الله عنه، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، «اطلع الله على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم، فقد غفرت لكم».