السعر العادل للسلعة أو الخدمة قضية تشغل بال أغلب المستهلكين في كل دول العالم، لكنها تتصف بطبيعة خاصة في مصر، بداية من بائع الطماطم الموجود في الشارع الذي يبيع الكيلو مقابل 5 جنيهات، وعلى بعد 100 متر فقط من موقعه يوجد بائع آخر يقدم نفس السلعة، بنفس الجودة، مقابل 4 جنيهات فقط، مع العلم أن الظروف متساوية تقريباً في كل ما يتعلق بالتكاليف الثابتة والمتغيرة، كذلك الأمر يمكن أن تحصل على كوب الشاي داخل "كافية" بأحد الأندية مقابل 3 جنيهات، بينما كافية آخر في نفس النادي يقدمه مقابل 5 أو 7 جنيهات، مع العلم أن الخدمة تقريباً واحدة!
لا أقصد من مفهوم السعر العادل أو القيمة العادلة للسلعة أو الخدمة الدخول إلى المصطلحات المالية، والحديث حول الأسهم في أسواق المال أو الاستحواذات التي تنفذها الشركات لإدماج أخرى، ولكن أحاول الوصول إلى فلسفة التفاوت الكبير الموجود بأسعار السلع والخدمات في مصر، وعدم اعتماده على معايير واضحة أو مفاهيم علمية، أو تقديرات اقتصادية، الموضوع فقط يرتبط بأن البائع فجأة قرر أن يكسب أكثر، أو يرفع الأسعار، دون اختبار قدرات السوق أو الملاءة المالية لزبائنه، أو دراسة المنافسين، حتى ولو كانوا على بعد أمتار قليلة.
لا يمكن أن تجد أسباب منطقية لسعر بيع متر العقارات في منطقة مازالت بكراً مثل حدائق أكتوبر بـ 12 ألف جنيه، داخل كمبوند لشركة ناشئة، صغيرة أو أقل من متوسطة، وفى نفس الوقت سعر المتر في المناطق المحيطة مقابل 3500 إلى 5 آلاف جنيه للمتر، فالفارق يصل إلى حوالي 70% في المتوسط، وهذا لا يمكن بأي حال أن يكون عادلاً أبداً حتى لو كانت الخدمات أفضل داخل الكمبوند السكنى أو مستويات التشطيب وخلافه، فالمكان واحد، والمقومات واحدة، والخدمات المحيطة والبنية الأساسية تتماثل أو تتشابه.
عدم الاهتمام بدارسة الأسواق يؤدى دائماً إلى مشكلات عديدة، واضطرابات اقتصادية عنيفة، ولعل أزمة ايفر جراند الصينية، أحد أكبر الشركات العقارية في العالم، كان البطل فيها، التوسع غير المدروس، وكبر حجمها بصورة زائدة عن الحد، وعدم رؤية احتياجات العملاء، واعتبار حسابات المكسب فقط، دون وجود سيناريوهات بديلة، فلا يمكن أن تقام مشروعات عملاقة على فكرة المكسب فقط، بأرقام كبيرة ونسب لا نراها في أي دولة بالعالم، وللأسف هذا يحدث داخل القطاع الخاص المصري، الذي تحاول بعض شركاته حصد مكاسب قد تصل إلى 200%، في بعض السلع والخدمات.
عدم اعتبار السعر العادل أو المناسب للسلع والخدمات يقود دائماً الشركات الكبرى إلى حافة الإفلاس أو تصفية النشاط، وهذا ما أتوقعه لعدد من شركات النقل التشاركي التي رفعت الأسعار خلال الفترة الماضية، بصورة مبالغ فيها، اعتماداً على ميزة واحدة فقط، وهي أنها الأولى في تقديم الخدمة، إلا أنها لم تعتبر لفكرة دخول منافسين جدد، حتى جاءت شركة أخرى وأغرقت السوق بعروض وخصومات ومزايا، واختطفت زبائنها!
المستهلك يبحث دائماً عن السعر المناسب، الذي لا يشعر معه أنه مُستغل أو أن السلعة والخدمة التي حصل عليها لا تستحق، لذلك يجب أن تدرس الشركات العاملة في مصر سواء المحلية أو العالمية متعددة الجنسيات خصائص جمهور المستهلكين، وتضع لهم الاستمالات المناسبة، التي يمكن بناء عليها الوصول إلى منطقة وسط بين البائع والزبون.