يوم حزين على المسرح المصرى والعربى فقدنا فيه رجلا مسرحيا وأستاذا للأجيال، هو المخرج والمثقف الكبير جلال الشرقاوى، وأيضا فقدنا فنانة عملاقة في فن التمثيل وسيدة مسرح عظيمة كانت تمتلك حضورا طاغيا هي الفنانة الكبيرة عايدة عبد العزيز، فالكبار يتساقطون كأوراق الشجر لكنهم سيظلون في وجداننا باقون وأعمالهم مازالت يستمتع ويتعلم منها الجيل الحالي والأجيال القادمة.
رحل رجل المسرح وعاشقه وأستاذ الأجيال المثقف المستنير صاحب البصمة الفنية المميزة في أكثر من مجال فنى، فقد نجح خلال مشواره الفنى فى إثراء حياتنا الفنية كمخرج وممثل ومنتج وأستاذ أكاديمى بتقديمه لتجارب عديدة شديدة التميز والخصوصية، ويرجع تميزه وتألقه إلى موهبته المؤكدة التى صقلها بالدراسة وإلى صدقه الشديد وحرصه علي حسن الاختيار والتدقيق والإتقان في جميع أعماله فهو يمنح كل عمل يختاره نبضات قلبه وعقله ووجدانه.
كنت محظوظا بلقاء الراحلين فى أكثر من لقاء فقد أجريت لجلال الشرقاوى أكثر من حوار ولقاء وفى كل مرة كنت أستفيد من هذا الرجل المثقف المستنير، ويحسب لهذا المبدع الأصيل خلال مسيرته الثرية الرائعة تعدد مشاركاته كناشط ومنشط ثقافى وفنى وخرج من تحت عباءته الكثير من النجوم الذين أخرج لهم، وكان صاحب فرقة مسرحية ومسرح خاص به كتب في مدخله "أعطنى مسرحا وخبزا.. أعطيك شعبا عظيما"، ومنحني هذا الفنان الكبير كتابه الذى ألفه بعنوان "حياتي في المسرح" الذي ارخ فيه لمشواره وأعماله وأفكاره والكتاب بالفعل يعد وثيقة مهمة جدا علي فترات ثقافية وسياسية وفنية يحكي فيها تجاربه وعلاقاته بالفنانين الذين عمل معهم.
جلال الشرقاوي صاحب مسيرة فنية كبيرة في مجال الإخراج المسرحي فقد قدم 74 عرضا من بينها 26 عرضا لفرق الدولة المختلفة وبعض الوزارات الحكومية، و48 مسرحية لفرق القطاع الخاص، وكان الشرقاوي صاحب أعلى أجر كمخرج مسرحى فى مصر وقت عرض مسرحية "مدرسة المشاغبين" منتصف السبعينيات، حيث وصل أجره إلى 400 جنيه.
يحسب لهذا الرجل في مجال المسرح أنه ظل لمدة أكثر من 40 عاما مضاءة أنوار مسرحه "مسرح جلال الشرقاوى" الذى قام بتشييده بعد أن كان يحمل من قبل اسم مسرح "فريد الأطرش" فغيره لمسرح الفن "جلال الشرقاوى"، وقدم خلاله الكثير من الأعمال وخرج منه الكثير من النجوم منهم احمد ادم وغادة عبد الرازق وسهير البابلي ومحمد صبحي ويحيي الفخراني واحمد بدير وفيفي عبده وحسن عابدين ونيللي ولبلبة.
وللفنان جلال الشرقاوي أيضا مسيرة إبداع سينمائى فقد أخرج أربعة أفلام سينمائية فقط خلال الفترة من 1964 إلى 1972 وقد نجح من خلالها في توظيف موهبته ودراسته الأكاديمية وخبراته الفنية ومنها " ارملة وثلاث بنات " عام 1964 ، و" العيب " عام 1966 ، و" الناس اللي جوه " عام 1968 ، و" اعظم طفل في العالم " عام 1972 ، كما قام بالاخراج التليفزيوني والإخراج الإذاعي وشارك كممثل في الكثير من الأعمال، فقد فقدنا فنانا شاملا مارس كل أشكال الفن .
أما الفنانة عايدة عبد العزيز فهي الفنانة صاحبة الحضور الطاغي وهي الفنانة التي مجرد ظهورها في أي عمل تؤثر في العمل ككل وفيما يشاهده حتي لو كانت تقدم مشهدا فقط ولعل أشهر تلك الأدوار عدلات في فيلم "النمر والأنثى"، حيث جسدت دور تاجرة مخدرات داهية في التفكير والمكر، ونجحت في منافسة الفنان الكبير عادل إمام على الجماهيرية في ذلك الفيلم بأداء أكثر من مميز.
ظهرت موهبة عايدة عبد العزيز منذ أول أعمالها أوبريت "يوم القيامة" في عام 1962 وسافرت إلى لندن مع زوجها الفنان المخرج المسرحي أحمد عبد الحليم لاستكمال دراسته العليا في التمثيل والإخراج وعادت عام 1967 واستأنفت نشاطها بمسارح الدولة، وقدمت مسرحيات كثيرة من أهمها : دائرة الطباشير، النجاة عام 1996، ملك يبحث عن وظيفة، طائر البحر لتشيكوف ، وكان لتواجدها بالمسرح مرحلة مهمة وكانت سيدة من سيدات المسرح المصري والعربي وقفت علي خشباته وتألقت ، وتم تكريمها في مهرجان المسرح التجريبي في 1996. ومن أشهر أعمالها في السينما أفلام علي ورق سيلوفان وخرج ولم يعد، ومن أشهر أعمالها في التليفزيون مسلسلات زينب والعرش والمرايا وهالة والدراويش ومحمد رسول الله إلي العالم.