اسمى"ريان أورام" مغربى الجنسية عربى الهوية؛ لم يتجاوز عمرى الخمسة ربيعًا؛ احتلت قصتى صدارة عناوين وسائل الإعلام العربية والأجنبية ومواقع التواصل الاجتماعى، أنا الذى لم أجرؤ يومًا على الحلم بمجرد الظهور فى أحد برامج الأطفال التى أستمتع بمشاهدتها عبر التلفاز، وكان لى أيضًا حظ من اهتمامات الساسة والحكام بعدد من بلدان العالم فى مشهد لم اعتاد رؤيته منذ ولادتى فى هذا العالم..
تمكنت فرق الإنقاذ والوقاية من إخراجى من بئر عمقها 32 مترًا بعد أن مكثت بها خمسة أيام؛ لألتقط لثوانٍ معدودات نظراتى الأخيرة لدنياكم قبل أن تنطلق روحى إلى رحاب الله وآفاقه التى لا تعرف حدودًا.
اعتدت اللهو بجوار البئر المملوكة لأبى بقرية إغران بإقليم شفشاون شمالى المغرب؛ فلم أكن من بين هؤلاء الأطفال الذين يملكون حدائق خاصة فى منازلهم، أو ساحات آمنة للعب، ولم أكن من مرتادى النوادى الرياضية فأنا من أسرة ريفية بسيطة مكافحة؛ والدى يعمل بالفلاحة، فكانت تلك البئر والمنطقة المحيطة بها مكان لهوى، ولم يدر بخلدى أنها ستكون نقطة نهايتى..
القلق ..الفرح وصولًا إلى الحزن..تلك هى المشاعر التى وحدتكم طيلة أيام جرت خلالها محاولات إنقاذى؛ لقد استطعتم تجاوز الحدود الجغرافية والصراعات التاريخية والخلافات السياسية؛ متناسين اختلافات الجنسية المدونة فى جوازات السفر؛ فها هى الجدة الجزائرية تتابعنى لحظة بلحظة عن كسب عبر التلفاز، وجيراننا ممن كان البعض منهم بالأمس يتناقرون ويتخاصمون لأتفه الأسباب تركوا بيوتهم ومخادعهم مفضلين البقاء فى العراء بجوار البئر حيث أتواجد أنا لطهو الوجبات الغذائية للعمال وفرق الحفر لتى تعمل من أجل إنقاذى ..أصدقائى أتوا وذويهم ليأنسوا وحدتى، ذلك المشهد بالخارج كان مصدر دفىء فى ليالى أمضيتها فى البئر وحيدًا ..
أود أن أقول لكم "إن لم تتمكنوا من منحى الحياة فلتمنحوها لغيرى، لتتجاوز أنظاركم حدودى متجهة لرفاقى فهناك ملايين الأطفال يشبهونني؛ فهم أيضًا عالقون بين الحياة والموت منتظرين الإنقاذ من بئر الصراعات والحروب وما جلبته من الجوع والمرض والتشرد فى أجواء الصقيع الذى لا يرحم أحدًا !
اتجهوا بدعمكم لمن لا يزال الأمل حيًا بداخلهم متأملين فى مستقبل أفضل، فوجودكم ودعمكم سيمثل الكثير لهؤلاء؛ لا تغضوا أبصاركم عن معاناة أكثر من ربع أطفال العالم محرومون من حقوقهم فى التعلم والرعاية الصحية والاجتماعية واللهو، وحتى الحصول على الغذاء والمأوى(وفق منظمة انقذوا الأطفال).
ألا تتذكرون"إيلان كردى"؟ ذلك الطفل السورى ذى الـ3سنوات؛ الذى صدمت صورته العالم عام 2015؛ حيث قذفت مياه البحر جثته إلى أحد الشواطئ التركية بعد أن غرق القارب الذى كان يقل أسرته فى محاولة للوصول إلى أوربا عبر تركيا واليونان هربًا من جحيم الحرب وويلات الصراع.
"إيلان" لم يكن المأساة الوحيدة؛ بل تكرر المشهد مع عشرات الأطفال الذين لقوا حتفهم على الشواطئ الليبية، ويكاشفنا الواقع بمآسي الأطفال السوريين والعراقيين واليمنيين ممن يقطنون مخيمات اللاجئين والنازحين فى منطقتنا العربية التى مزقتها الحروب؛ بعضهم مات متجمدًا في ظل بر الشتاء القارس؛ ففى الشمال السورى أدى تراكم الثلوج إلى تعريض حياة 250 ألف نازح تقريبا للمخاطر بعد انهيار خيامهم الخيام، وفق الأمم المتحدة، وفى العراق هناك حوالى مليون نازح، يعيشون داخل مخيمات ومراكز إيواء، تفتقر للخدمات الأساسية اللازمة للعيش.
ويا للأسف! ليس أطفال المخيمات فقط هم من يعانون؛ بل تبلغنا منظمة الأمم المتحدة للطفولة" اليونيسيف"، في تقريرها الصادر فى نوفمبر 2021، بأن مستقبل الأطفال بلبنان أصبح فى خطر؛ جراء تفاقم الأزمة الاقتصادية، وتبعاتها من نقص التغذية والرعاية الصحية؛ كما أن ظروف الفقر المدقع ببلدان عدة تدفع الأطفال إلى الانخراط بسوق العمل تاركين أحلام طفولتهم البريئة ومسيرة تعليمهم وآمال مستقبلهم.
ولا تنسوا كارثة استغلال الأطفال فى النزاعات المسلحة والعمليات الإرهابية، فى حوالى 14 دولة حول العالم من بينها سوريا واليمن والصومال .
أحبائى..لقد سعدت روحى بتعاطف العالم مع قصتى حتى وإن لم يعطنى ذلك قبلة الحياة؛ لكنه حرك المياه الراكدة بالقلوب وأضفى على الذاكرة حالة نسيان ولو مؤقت لكل شىء فى سبيل إنقاذى..إنكم لم تمنحوني ضمانة أن أحيا يومًا إضافيًا لكنكم أثبتوا أنكم لا تزالوا محتفظين بإنسانيتكم؛ لتؤكدا أنكم لستم شرًا خالصًا ولا يزال بداخلكم شعاع النور الذى بإمكانه غلبة ظلمة الشر.
إن كانت إرادة الله استرداد روحى وإنهاء رحلتى على الأرض فى مهدها، وإن لم تتمكنوا من إنقاذ إيلان أيضًا، إلا أن الفرصة لا تزال سانحة أمامكم لإنقاذ أرواح آلاف الأطفال ومساعدتهم فى استرداد الاسم والهوية والعنوان، فلتتحدوا من أجل مستقبل أفضل لأطفال منطقتنا العربية.
أستحلفكم بالله انصروا رفاقى أبناء العروبة المطحونين؛ امنحوهم ما لم تتمكنوا من منحه لى ..فرصة للحياة !