مكالمات هاتفية، ورسائل قصيرة، ومطاردات عبر الواتس آب، للترويج لوحدات سكنية أو فيلات في مناطق ومدن جديدة، تبدأ أسعارها من 5 ملايين جنيه، حتى 20 مليونا، هذه العروض التسويقية غير المدروسة، يتعامل معها أغلب الجمهور باعتبارها مزحة أو وسيلة للتندر والضحك، خاصة أن أغلب من تصلهم الرسائل أو يستقبلون المكالمات، يعيشون على "مرتباتهم"، وبالكاد يتحملون أعباء الحياة.
العروض الترويجية التى تتم لتسويق الوحدات السكنية في مجتمع "الكمبوند" أغلبها يفشل في تحقيق هدفه، نتيجة العديد من الأسباب، أولها اختيار الجمهور المستهدف، الذى يتم بشكل خاطئ، فالمتصل لا يعرف دخل العميل أو حجم الملاءة المالية لديه، بالإضافة إلى أن من يمارسون نشاط التسويق غير مؤهلين وتنقصهم الخبرة، فأحياناً تلجأ الشركات الكبيرة إلى مكاتب تسويق لبيع الوحدات مقابل هامش ربح بسيط، وهذه المكاتب حدث ولا حرج، تستخدم أرخص وأسوأ أنواع العمالة، بل أحياناً قد تستغل الشباب ليعملوا دون أجر أو بـ "التارجيت".
أغرب العروض الترويجية للشركات العقارية التي جاءتني مطلع الأسبوع الجاري كانت لوحدات سكنية فاخرة، في كمبوند معروف، لشركة كبيرة، سعر المتر فيه يصل إلى حوالي 20 ألف جنيه، بالتقسيط على 10 سنوات، وقد استمعت إلى مندوب الشركة في الهاتف، وكل التفاصيل التي ذكرها حول مزايا المشروع، حتى قال:" الكمبوند يا فندم مميز جدا، والخدمات موجودة 24 ساعة، لأن المدير المالي للشركة موجود فيه، ولديه فيلا، فيهتم الجميع بمستوى وجودة الخدمة" لأسارع بالرد عليه:" مشكلة كبيرة أن يخرج هذا الرجل إلى سن المعاش، أو أن تتخلى عنه الشركة فجأة، أو يقرر الشراء في مكان آخر ويترك وحدته الفاخرة، حينها ستنهار كل الخدمات، ويتحول الكمبوند إلى "مولد وصاحبه غائب"!!.
مندوب مبيعات الشركة المذكورة أصابته حالة من الارتباك بعدما سمع الرد القاسي، الذي لم أتمكن من كتمانه رغم المحاولة، وتذكرت معه مندوب آخر، حاول إقناعي بشراء وحدة سكنية في العاصمة الإدارية الجديدة، والميزة الأساسية التي بدأ في سردها أنها بجوار الوزارات والمقرات الحكومية، فقلت له وما الحاجة إلى المقرات الحكومية، وسألته كم مرة في حياتك دخلت وزارة المالية أو التموين أو التخطيط؟ فقال: "لم أدخلها جميعاً"، وهنا كان ردى: "ولن تدخلها مطلقاً"، فالناس يحتاجون إلى الخدمات المباشرة، البنوك بدلا من وزارة المالية، مكتب التموين بدلا من مقر الوزارة، المستشفى والصيدلية بدلا من وزارة الصحة... فبهت الذي اتصل!
المستهلك يبحث عن خدمات حقيقية وفرص ومزايا تحمل مكاسب حالية أو مستقبلية، والموضوع أكبر وأعقد من شراء شقة ثمنها 5 ملايين جنيه عبر مكالمة هاتفية، لذلك يجب أن تغير الشركات استراتيجية التسويق، وتخاطب الزبون المستهدف الحقيقي، وتقدم له خدمات فعلية وعروض جذابة تحمل فرصاً، بأسعار مناسبة، مع حساب المنافسة وتأثير قانون العرض والطلب وحجم السيولة المتوفرة.