2 - السفر
لا خلاف بين الفقهاء أن المسافر لمسافة تقصر فيها الصلاة أو أكثر أنه يجوز له الإفطار لثبوت دليله من الكتاب والسنة ولإجماع. فمن الكتاب قولـه تعالى «فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَر». وأما السنة: فقولـه صلى الله عليه وسلم «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَضَعَ عَنْ الْمُسَافِرِ الصَّوْمَ وَشَطْرَ الصَّلَاةِ وَعَنْ الْحَامِلِ أَوْ الْمُرْضِعِ الصَّوْمَ أَوْ الصِّيَامَ»، والمراد وضع الأداء فى الوقت المضيق وهو رمضان، أما القضاء فهو باق عليه كما أفادته الآية. وكذلك دل على جواز الإفطار للمسافر فعله صلى الله عليه وسلم لما روى عن ابن عباس رى الله عنه أن النبى، صلى الله عليه وسلم، خَرَجَ إِلَى مَكَّةَ فِى رَمَضَانَ فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ الْكَدِيدَ أَفْطَرَ فَأَفْطَرَ النَّاس. أما الإجماع: فقد أجمع علماء الأمة من بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى يومنا على جواز الإفطار فى السفر. ومع اتفاق الفقهاء حول جواز الفطر للمسافر مسافة القصر إلا أنهم يختلفون حول بعض المسائل المتعلقة بذلك من أهمها.
اشتراط كون السفر مباحاً
بعد أن اتفق الفقهاء على مشروعية الفطر لمن سافر سفرا مباحا، كمن سافر للعمرة، أو طلب العلم، أو صلة الرحم ونحو ذلك. اختلفوا فيمن سافر سفرا غير مشروع، كمن سافر لارتكاب معصية كالسرقة، أو شرب الخمر، حيث يرى الحنفية، وبعض المالكية، والظاهرية، أن السفر مسافة القصر مطلقا، يرخص لصاحبه فى الإفطار لا فرق بين سفر الطاعة، وسفر المعصية.
واستدلوا على ذلك بعموم الأدلة الواردة فى السفر كقوله تعالى «وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ»، فالأدلة لا تفرق بين سفر الطاعة وسفر المعصية. والراجح، أنه لا يجوز للمسافر سفر معصية أن يترخص فى صوم رمضان ولا غيره من أحكام السفر كقصر الصلاة.
فطر المسافر بين الرخصة والعزيمة
يرى جمهور الفقهاء: أن الفطر رخصة للمسافر، فإن صام وترك الترخص صح صومه.
واستدلوا على ذلك بعموم الأدلة الواردة فى وجوب الصوم كقوله تعالى «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ».
ويرى الظاهرية وهو مروى عن عمر، وأبى هريرة، رضى الله عنهما، أن المسافر إن صام لم يصح صومه عن رمضان ويلزمه أن يقضى بعد ذلك كمن أفطر، ولا يعتد بصيامه هذا.
واستدلوا على ذلك بقوله «فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ».
ووجه الدلالة. أنهم يرون أن الآية تدل على أن الإفطار فى السفر عزيمة كما كان الصوم فى الحضر عزيمة. واستدلوا أيضا بما روى أن النبى «خَرَجَ عَامَ الْفَتْحِ إِلَى مَكَّةَ فِى رَمَضَانَ فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ كُرَاعَ الْغَمِيمِ فَصَامَ النَّاسُ ثُمَّ دَعَا بِقَدَحٍ مِنْ مَاءٍ فَرَفَعَهُ حَتَّى نَظَرَ النَّاسُ إِلَيْهِ ثُمَّ شَرِبَ فَقِيلَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ إِنَّ بَعْضَ النَّاسِ قَدْ صَامَ فَقَالَ أُولَئِكَ الْعُصَاةُ أُولَئِكَ الْعُصَاةُ»، ومثله قوله «لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصِّيَامُ فِى السَّفَرِ».
وبذلك يتبين أن رأى جمهور الفقهاء من القول بأن صوم المسافر صحيح وأن إفطاره رخصة هو الصحيح.