نعم يبتلع التضخم العالم، وبات يؤثر على أسعار السلع والخدمات بصورة واضحة، في أمريكا على سبيل المثال سجل معدلات غير مسبوقة، لم يصل إليها منذ فبراير 1982، بعدما وصلت نسبته إلى 7.5%، وكانت قائمة السلع الأكثر ارتفاعاً المواد الغذائية والأثاث، وهذا يعنى الكثير للمواطن الأمريكي، الذى غالباً ما يقسم راتبه إلى أقساط ما بين الاحتياجات الأساسية، والضرائب والسكن، إلا أن الأزمة بدأت تتجلى بقوة في الأشهر الأخيرة من العام الماضي، ارتباطاً بالآثار السلبية لجائحة كورونا العالمية، وما نتج عنها من مشكلات في سلاسل التوريد والإمداد بين مختلف دول العالم، وزيادة الطلب على بعض السلع والخدمات.
البنوك المركزية على مستوى العالم تستعد لرفع معدلات الفائدة، ووفق توقعات الخبراء، فإن المركزي الأمريكي قد يتجه إلى رفع معدلات الفائدة 7 مرات خلال 2022، حتى ينجح في امتصاص الآثار الناتجة عن التضخم وارتفاع الأسعار، وهذا سيناريو من شأنه دفع المستثمرين إلى المحافظ الدولارية من جديد وتراجع معدلات ونسب الاستثمار في الذهب والمعادن والعقارات بشكل عام، وقرار قد تكون له تبعات وآثار مباشرة على الدول الناشئة أو التي يستثمر فيها الأجانب عملات صعبة عبر سندات حكومية أو أذون خزانة، فقد يتجهوا إلى الاستثمار في بلادهم، بعد رفع معدلات الفائدة بالصورة التي كانوا يأملونها.
العالم كله يتحرك لاحتواء أزمات ما بعد كورونا، والأثار السلبية التي ترتبت على زيادة معدلات التضخم، خاصة أن هناك تجارب مثيرة للرعب، مثل فنزويلا، التي لا يوجد أرخص من عملتها على الإطلاق، 1 دولار أمريكي يساوى 443 ألف بوليفار فنزويلي، في حين أنها الأولى عالميًا لاحتياطات النفط، وتبلغ حصتها العالمية 17.5%، لكنها اعتمدت على النفط كمصدر أساسي في جلب العملة الصعبة، وتخلفت مؤشرات الإنتاج، وغزت الصادرات أراضيها، بالإضافة إلى أعباء القروض الحكومية، حتى صارت فاتورة الديون أكبر بكثير من كل ما تتوقع، لذلك يجب أن ندرك مخاطر ما يدور حولنا، وننظر للأمور بعين حذرة.
يجب أن تتجه الحكومة إلى خطة عاجلة لمواجهة التضخم وآثاره السلبية المحتملة، إلى جانب دعم الصناعة المحلية، وتخفيف فاتورة الاستيراد من الخارج بصورة تضمن الحفاظ على العملة الصعبة والنقد الأجنبي، خاصة السلع الاستهلاكية والأطعمة التي تتوفر منها البدائل المحلية بكثرة، خاصة أننا مقبلون على شهر رمضان المبارك، الذي ترتفع فيه مصروفات الأسرة المصرية، وتزيد فيه الواردات من الخارج، بداية من الياميش والمكسرات، حتى الفوانيس ومفروشات الزينة، لذلك يجب أن ندرك خطر ما يدور في العالم ونستعد جيداً للمواجهة.
أتصور أن البنك المركزي سوف يرفع معدلات الفائدة خلال الفترة المقبلة، لمواجهة التضخم وضبط الأسواق، وكذلك تحفيز الأجانب على الاستثمار في أدوات الدين، مثل أذون الخزانة والسندات، حتى لا تهرب الأموال الساخنة بعيداً، ويضع الأفراد مدخراتهم الدولارية في أوعية استثمارية لدى البنوك، وكلنا ثقة في قدرة الجهاز المصرفي على إدارة هذه العملية بنجاح، فقد تم اختباره من قبل في ظروف أصعب بكثير.