المرض النفسى وظاهرة التشرد

هروب "لقاء" مشردة فيصل من دار الرعاية التي قدمت لها الدعم والمساندة على مدار الأيام الماضية، احتل جزء كبير من اهتمام وسائل الإعلام اليوم، ويفتح الباب أمام الكثير من التساؤلات حول طبيعة هذه الحالات وما تحتاج إليه فعلياً، فلا أتصور أن القضية مجرد خلافات أسرية أو ضيق الحال والمعيشة والتشرد، لكن الأمر له أبعاد مختلفة تتعلق بالأمراض النفسية والعصبية. أغلب حالات التشرد الموجودة في الشوارع تعاني مشكلات وأمراض نفسية بالأساس، ويمكن لأي طبيب نفسي مبتدئ أن يتعرف عليها ويشخصها بسهولة من طريقة الكلام والانفعالات، والتلعثم الدائم، والضحك والبكاء في نفس الوقت، وفقدان الاهتمام بالأشياء، والتوتر العصبي، وعدم القدرة على النوم واليقظة المستمرة، والميل إلى العزلة، فكل هذه أعراض مشتركة لعشرات الأمراض النفسية مثل الهوس، والاكتئاب، والفصام. المشردون في الشوارع، سواء من الرجال أو النساء، تراهم في كل دول العالم، الفقيرة والغنية على حد سواء، بجوار محطات المترو والميادين الرئيسية، بنفس الهيئة التي نراهم عليها في بلادنا، الشعر الطويل الكثيف، الملابس المتسخة البالية، العبارات المتكررة مثل "عاوز أكل" أو " عاوز سيجارة " أو "عاوز سندوتش" وهكذا.. فكل هؤلاء مشكلاتهم الحقيقية ليست عدم القدرة على العمل أو فقدان وظائفهم أو ضيق الحال والحياة الاجتماعية الصعبة، بل المرض النفسي، الذي يعتبر العامل المشترك بينهم جميعاً. أتصور أن كل ما يحتاج إليه المشردون في الشوارع قبل إخضاعهم لبرامج الرعاية الاجتماعية، العلاج النفسي، والمتابعة والأدوية العلاجية المسئولة عن إعادة تنظيم مسار كيمياء المخ، على أن يتولى هذه العملية أطباء نفسيون على قدر من الفهم والمسئولية، خاصة أن المريض النفسي حتى لو كانت حالته متأخرة يمكنه أن يستعيد تفاعله مع المجتمع بمجرد الانتظام على الأدوية والوصفات الطبية التي يراها الطبيب النفسي مناسبة، حسب طبيعة تشخيص الحالة. تظن أغلب دور الرعاية أن المشردين في الشوارع يحتاجون فقط إلى المأوى والطعام والسكن الآمن، وهذا جزء من الموضوع، لكن الأساس فيه أن هؤلاء يحتاجون إلى العلاج والدعم النفسي قبل أي شيء آخر، فلو تمت دراسة حالاتهم لوجدنا أن أغلبهم إما تعرض لضغوط شديدة قادته إلى المرض النفسي، أو مرضى لأسباب جينية وراثية غير معروفة، كما الحال في العديد من الأمراض النفسية، التي تنتج عن أسباب غير معروفة وفى أعمار متفاوتة، وبدون أسباب أو سابق إنذار. الشخص الطبيعي حتى لو فقد العائل أو ساءت به الظروف والأحوال سوف يتجه إلى العمل – أي عمل - مثل الباعة الجائلين الذين نشاهدهم في الشوارع بين الحين والآخر، لكن المريض النفسي لا يمارس هذا الفعل، فقط يسكن الأرصفة، وتظهر عليه كل الأعراض المصاحبة للأمراض النفسية، التي تزيد حدتها مع غياب الرعاية والعلاج وتصل إلى درجاتها القصوى، خاصة أن المجتمع يتعامل معه باعتباره "مشرد" لا مريض، لذلك يجب أن نحذر من خطورة هذا الأمر، ونسعى إلى توفير العلاج اللازم لهذه النماذج، ولا نتصور أن القضية مجرد مسكن وملبس نظيف أو فرصة عمل.



الاكثر مشاهده

"لمار" تصدر منتجاتها الى 28 دولة

شركة » كود للتطوير» تطرح «North Code» أول مشروعاتها في الساحل الشمالى باستثمارات 2 مليار جنيه

الرئيس السيسى يهنئ نادى الزمالك على كأس الكونفدرالية.. ويؤكد: أداء مميز وجهود رائعة

رئيس وزراء اليونان يستقبل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

;