وعودة للحديث عن العدل الإنساني الذي اختلت موازينه، وما زلنا نبحث عن كيفية استقامته من جديد.
فقد كانت هناك مفردات معلومة وقيم محفوظة وحسابات لا تخطئ إلا فيما ندر، والتي كانت تسمي بالكفاءة والموهبة والتميز والمؤهل، وغيرها من المقومات التي عندما يمتلكها الإنسان، يصبح من حقوقه المشروعة أن يتقدم خطوة بطريق عمله ومستقبله الذي حلم به ورسم له وخطط ثم جد واجتهد ليحصل على مقومات الاستحقاق التي كانت كما كنا نعلم فيما مضي هي الأساس.
ولكن:
ما كنا نعتقده ونعتنقه من ثوابت وربما قوانين عرفية وغير عرفية، أن أصحاب الكفاءة بمجال ما لهم الأولوية لتصدر طابور المتقدمين لأي وظيفة بأي مكان، وكان الاستثناء النادر هو تصدر صاحب الواسطة وتقدمه على صاحب الكفاءة والاستحقاق، وكانت مثل هذه الأمثلة معدودة معلومة يتغامز عليها المتغامزون، ويخجل منها العض قبل أن يختفي ما كان يسمى بالخجل،
فالآن:
أصبح شبه حتمي أن يتصدر الصورة ويعتلي المنصب الأنصاف والأشباه ومعدومي الكفاءة، ليتركوا خلفهم طابوراً طويلاً من المظلومين الذين لن يستمع إلى شكواهم غير الله.
والأغرب من ذلك:
أنك قد تجد شخصاً واحداً يشغل عدداً كبيراً من المناصب بآن واحد، لتجد cv "السي في" الخاص به عبارة عن منشور طويل من الوظائف هنا وهناك،
في حين تجد من هو أكثر منه جدارة وأكثر استحقاق صفر اليدين، لأن الآخر قد استحوذ علي عشرة فرص عمل أو ربما أكثر على حساب ما يقابلهم عدداً من أشخاصاً مؤهلين لا ينقصهم سوى الحصول علي الفرصة العادلة التي تعتمد الأحقية و الموضوعية دون غيرها.
فقد فوجئت عن نفسى من باب الصدفة بأشخاص أعرفهم جيداً وأعرف مؤهلاتهم الدراسية والمهنية تتم استضافتهم كإعلاميين ومحللين سياسيين ليتحدثوا عن الوضع الداخلى والخارجى للبلاد، ويصدرون أفكارهم لجماهير المشاهدين دون أدنى شعور بخطورة هذا الموقف الذى قد يتسبب بكوارث فكرية و تصدير وجهات نظر غير مسئولة تتداولها الناس و خاصة بعد تلقيها من فلان أو فلانة الإعلامى والمحلل المرموق كما تم التنويه عنه!
كما صادفت عدداً لا بأس به من متوسطي التعليم وغير المتخصصين بمجال معين، يشغلون أماكن وظيفية لم تكن يوماً لهم علي حساب من كانوا أهلاً لها، ولم يتسن لهم نيلها لمجرد شهادات الدراسة والخبرة والكفاءة.
تلك المصطلحات التي لم يعد لها أية أهمية بمعايير السوق الجديدة للعمل.
نهاية:
وفي حين تسعي القيادة السياسية بالجمهورية الجديدة للتخلص من كافة أسباب الفساد والتراجع والتدني بالأداء في كل المجالات لبناء منظومة عمل سليمة متينة قادرة على مواكبة حجم الإنجازات المتلاحقة والصعود الصاروخي للبلاد والتي تعتمد معايير الكفاءة والجودة والاستحقاق.
تجد طوابير لا نهاية لها من المفسدين ومعتمدي الوساطة والمحسوبية والرشوة يغردون بأصواتهم المنفرة بسربٍ آخر لم يعد منا، ولا نحن منه و لن يكون له بالقريب العاجل صوتاً مسموعاً بعد أن علت أصوات الحق والخير والجمال لتخرس أصوات الشر التي تنعق بما يضر ولا ينفع.
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه
وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.