الأمم لا تتغير إلا بالعمل والإنتاج، وهذه معادلة أدركتها واختبرتها الدول المتقدمة منذ وقت طويل وحرصت على تطبيقها، وغرسها في نفوس شعوبها، فالكل موجود في الشوارع بدقات السادسة صباحاً سعياً إلى مواقع العمل، وبقدر الجهد المبذول تكون النتائج، لا يعرفون النوم حتى العاشرة صباحاً، أو ثقافة السهر للساعات الأولى من الصباح، التي باتت سمة لدى نسبة غير قليلة من الشباب المصري.
لا أجد تفسيرا أو مبررا منطقياً لأن تظل المحال التجارية مغلقة حتى التاسعة والعاشرة صباحا، بل نفس الحال في الصيدليات، ومراكز الخدمات، و"البراندات العالمية"، فهذا أمر يدعو إلى الاستنكار والتعجب وضرورة إعادة النظر، حتى تتغير نظرتنا نحو العمل والإنتاج.
أظن أن أفضل استثمار يجب أن نحرص عليه ونستغله بصورة مثالية في المرحلة الراهنة هو استثمار الوقت، الذي يضيع هباء دون أن ندرك، فأوقاتنا تبتلعها السوشيال ميديا أو جلسات النميمة في الكافيهات والمقاهي، كل الدول المتقدمة أو التي تنشد التقدم تحرص على الوقت وتقدسه وتدرك أهميته، ولا أرى مثالاً على الانضباط والتفاني في العمل كما النموذج الصيني، الذي يعمل 12 ساعة يومياً، والأهم من ذلك هو جودة العمل الذى يقدمه خلال هذه الساعات، وآليات استغلالها، فقد يعمل الموظف المصري في القطاعين العام والخاص، لمدة 8 ساعات يومياً، لكن الوقت الفعلي للعمل قد يكون ربع هذه المدة، ربما أقل!
الحكومة حاولت خلال الفترة الماضية ضبط إيقاع الوقت لدى المصريين بأن يتم فتح المحال التجارية والخدمية مبكراً من السابعة صباحا، وإغلاقها في العاشرة مساء شتاء، والحادية عشرة صيفا، بينما لم يتغير سلوك العمل والاستعداد له لدى أصحاب المحال والعاملين فيها على حد سواء، فالكل مازال غير قادر على استغلال هذا القرار لصالحه فى زيادة معدلات الإنتاج، وتقليل استهلاكات الكهرباء والمياه والغاز.
الاستيقاظ مبكراً فضيلة لا تقل أهمية عن الصدق والأمانة، والتعلم، وتحمل المسئولية، ويجب أن يتعلمها أبناؤنا في المدارس ونغرسها في صغارنا، وعلينا التخلي الجاد عن العادات البالية، التي تجعل أطفالنا يستيقظون ظهراً، ويعتادون ذلك، لدرجة أن ذهابهم إلى المدرسة بات هماً ثقيلا، وهذه قضية مهمة جداً، لا يجب أن نتركها أو نهملها.
أتصور أن الأزمات الاقتصادية والسياسية التي يعيشها العالم، والتوترات المتصاعدة، في قضية روسيا وأوكرانيا، ومعدلات التضخم المرعبة التي تجتاح اقتصاديات الدول المتقدمة، تدعونا إلى المزيد من العمل والإنتاج والتفكير في المستقبل بصورة أكثر حكمة، والتحرك من خلال سيناريوهات متعددة، تضمن ألا نتأثر سلباً بما يدور في أوروبا الشرقية، والصراعات المحتملة، وهذا لن يحدث إلا من خلال العمل الجاد، واستنهاض الهمة والقدرة الذاتية للمصريين، التي بلا شك يمكن أن تصبح رقماً هاماً في معادلة التحول الاقتصادي، وتنعكس بصورة أفضل على حجم ومعدلات النمو.