معلوم أن أسلحة الدمار الشامل كانت بمثابة مصدر القلق الأكبر حول العالم، حتى أتت قمة باريس 2015 ودقت ناقوس الخطر بشدة بشأن أزمة المناخ وكارثة الاحتباس الحرارى، وتوصيف القضية بأنها الخطر الأكبر الذى يهدد البشرية جمعاء، لينتفض العالم وتوقع 194 دولة على اتفاقية باريس للمناخ 2015، والخروج بعدة توصيات وبنود تم إقرارها، أبرزها تعهد الدول العظمى والصناعية "العالم الغنى" والمتسبب الأكبر في الظاهرة، بدفع 100 مليار دولار سنويا للدول النامية "العالم الفقير" لتفادى تأثيرات التغيرات المناخية، ورغم أن هذا العالم الغنى لم يلتزم بتعهداته إلا أن هذه القضية طرحت نفسها بقوة، حتى جاءت جائحة كورونا 2020 ليلتف العالم حولها، وتشحذ الهمم والطاقات العلمية والمالية باعتبارها القضية العالمية الأكثر تأُثيرا على صحة الإنسان.
نعم جائحة كورونا أودت بحياة الملايين من البشر وشلت الحياة، حيث أغلقت المطارات وفرضت القيود، ودمرت اقتصاديات كبرى الشركات، وضاقت الحياة على سكان الكون، لكن رغم هذا تظل التغيرات المناخية أشد تأثيرا على صحة البشر وبيئتها لأنها تعد بمثابة تهديد طويل الأمد للأجيال الحاضرة والقادمة، وهو ما أكدته منظمة الصحة العالمية وخبراء ودوريات علمية، ليطرح سؤال نفسه، لماذا لم يتعامل العالم مع خطر المناخ مثلما تعامل ويتعامل مع جائحة كوفيد19 من سرعة واهتمام بالغ رغم أن هناك توقعات بأنه إن لم يتم تدارك أزمة المناخ فإنه سيعانى مستقبلا ما يقرب من 325 مليون شخص من الفقر المدقع، كما سيضطر ما يقرب من 216 مليون شخص للهجرة الداخلية نتيجة للتغيرات المناخية.
خلاف أن هذه التوقعات تشير إلى أن معدل الكوارث البيئية والمناخية سيبدأ في التضاعف بنحو 3 أضعاف خلال المرحلة القادمة، وسيتمثل ذلك في العديد من الظواهر مثل الموجات الحارة، والجفاف، وتلف المحاصيل الزراعية، والفيضانات، وحرائق الغابات، وكلها ظواهر شهدها العالم كله العام خلال العامين الماضيين، ما يعنى أن أطفال اليوم سيواجهون كوارث مناخية بنحو 3 أضعاف ما واجهها أجدادهم، إضافة إلى انتشار الأمراض التنفسية والقلب بشكل مرعب.
لذا، فإن العالم بحاجة إلى تعلم دروس جائحة كورونا والتدخل العاجل والناجز لحل قضية المناخ بنفس الدرجة من الأهمية والسرعة، وهذا لا يتأتى إلا من خلال قيام الكل بمسئولياته، والتوافق على استراتيجية عالمية لحماية المناخ قائمة على مبدأ الضمير والعدالة لا التسويف والأنانية حتى يتم الحفاظ على الثروات والمقدرات للأجيال القادمة، وحتى لا تتفاقم الكارثة أكثر من ذلك وتتحول إلى صراعات وهلاك للكون جراء الكوارث البيئية من انتشار الأوبئة والجفاف والحرائق والفيضانات والأعاصير، فلا يكون هناك إلا الخراب والدمار..