"أخذ البلاد سالمة أفضل من تدميرها، وإخضاع العدو دون قتال، أفضل ما يكون"، هذه كلمات سون تزو، الفيلسوف والقائد الصيني، صاحب الموسوعة العسكرية الهامة "فن الحرب"، وعلى الرغم من أن هذا القائد الصيني كتب تلك الكلمات في القرن السادس قبل الميلاد، إلا أننا قد نستعين بما كتبه في قراءة الأزمة الروسية الأوكرانية، ومستقبل الصراع خلال الأيام المقبلة، مع احتدام المعركة، واقترب " كييف" العاصمة من السقوط في يد الروس، خاصةً بعدما حشد الدب قواته للمواجهة وحاصر أوكرانيا من 3 جهات، شمالا وشرقا وجنوبا.
كلما طال وقت الحرب كلما كانت أوكرانيا أكبر الخاسرين، فالوضع الاقتصادي سوف يزداد سوء خلال الفترة المقبلة، بالإضافة إلى حالة الرعب والفزع التي يعيشها السكان، ثم التدمير الذي يلحق البنية التحتية يوما بعد الآخر، وستكون تبعاته كارثية حال تمكن الروس من السيطرة على العاصمة، في ظل حالة الحشد الكبيرة في صفوف الجيش الأوكراني، الذي أعاد تنظيم صفوفه لمواجهة القوات الروسية، ولملمة الهزائم التي مني بها في معركة الخميس الماضي.
أخطر سيناريو للأزمة الأوكرانية في الوقت الراهن يرتبط بتسليح المواطنين في العاصمة كييف بالأسلحة الخفيفة، ضمن إجراءات الاستعداد للمواجهة المنتظرة ، فلن تمنع هذه الإجراءات روسيا من خطط اقتحام العاصمة، قد تعيق تقدمها لساعات، ربما أيام، لكنها ستنكسر لا محالة مع تنظيم وقدرة الجيش الروسي على إدارة شئون الحرب،وهنا ستكون التكلفة كبيرة جداً، وسيدخل الروس كييف على جثث آلاف الضحايا.
تحاول الجيوش الالتزام بمعايير حماية المدنيين، حتى لو كانت الحرب دائرة، لكن بمجرد إطلاق النار في أي اتجاه لن يفكر الجندي إلا في رد العدوان وتبادل الطلقات، هكذا قانون الحرب، الكل يترقب حتى يعرف مصدر الرصاص، وبمجرد اكتشافه تبدأ معركة لا تتوقف إلا بسقوط أحد أطرافها، لذلك أكبر خطأ هو تسليح مدنيين والزج بهم أمام جيوش منظمة.
أتصور أن أكبر أخطاء الرئيس الأوكراني، و الممثل الكوميدي السابق، "زيلينسكي" هي الزج بالمدنيين الأبرياء في الحرب، تحت دعوى حماية العاصمة من السقوط، فكل الحسابات العسكرية والسياسية تقودنا لسقوط كييف بمقاومة أو بدون، لكن مع تسليح المدنيين والدروع البشرية ستكون التكلفة باهظة الثمن وتزيد من تعقيد الأمور، خاصة أن الأفق السياسية وإن كانت تعاني انسداد شبه كلي، إلا انها مازالت مفتوحة وتسمح بالتفاوض والحلول.
يدفع الشعب الأوكراني ثمن المراهقة السياسية ل زيلينسكي، خاصة بعدما تخلى الغرب وأمريكا عن معركته، لكن هذا الشعب ليس مجبرا على أن يدفع الثمن من دمه وحياته لأجل هذه المقامرة غير المحسوبة، خاصة أن الزج بالمدنيين في غمار المعركة غير المتكافئة جريمة لا يمكن إدراك أبعادها ونتائجها إلا بعد سقوط آلاف القتلى دون ذنب أو جناية، لذلك على الشعب الأوكراني ألا ينخدع بفكرة حماية العاصمة، ومنع الروس من السيطرة عليها، فالأمر ليس أكثر من لعبة لا يعرف مخاطرها زيلينسكي ومن حوله، وسيدفع ثمنها الأبرياء.
في اعتقادي أن الجيش الروسي سوف يشن عملية اقتحام شاملة للأراضي الأوكرانية على 3 اتجاهات، وبمجرد سقوط العاصمة ستتغير المعادلة تماماً، فقد اختبر بوتين الغرب وأمريكا بعد ضربات فجر الخميس الماضي، ووجد الجميع لا يمتلكون اتخاذ القرار، وليسوا على درجة الشجاعة للتكاتف في مواجهته، لذلك فكر للتحرك خطوات جديدة للأمام، ليحتل أوكرانيا بالكامل، خاصة أن اللغة التي يتبعها الغرب معه عدائية بصورة جعلته يفكر ربما بأن النتائج واحدة، سواء سقطت أوكرانيا في قبضة الجيش الروسي، أو فقط الجانب الشرقي منها مع الحدود الروسية، وأتصور أنه لو تم طرح حلول، والتلويح بإمكانية سلام لكانت الأمور اختلفت وتحولت النتائج بصورة أكثر إيجابية، لكن التعامل الأوروبي الأمريكي مع الأزمة يعقدها، ويضاعف من تبعاتها السياسة على العالم.