لا يمكن لأحد أن يشاهد ما يحدث في أوكرانيا لمدنيين عزل مسالمين وهم يرحلون عن منازلهم وبلدهم الذي يحاصره الخطر ، ويتركون وراءهم أمنهم وسلامتهم واستقرارهم وذكرياتهم – إلا ويعتصره الألم ، خاصة ولنا في مصر الكثير من ذكريات الحروب والتهجير وفقد زهرة شباب بلدنا ومعاناة اقتصادنا حتى اليوم جراء تلك الحروب .
لكن الدعاية التي تصاحب ما يجري على الأرض الأوكرانية هي نموذج واضح لخطورة الآلة الإعلامية التي يمتكلها الغرب ويصدرها لكافة أنحاء العالم عبر مختلف الوسائل ، والتي تصدر للعالم وجهة نظر الغرب وحده في إطار من القيم والنظريات الفضفاضة التي يستخدمونها فقط عند الحاجة ، ويضربون بها عرض الحائط عندما تفرض عليهم مصالحهم الغزو والاحتلال والتدمير وصناعة الإرهاب !
تدخلات الغرب مهما وهنت أسبابها فهي مبررة ، فما وصلت إليه أفغانستان والعراق وليبيا وسوريا واليمن وكل مناطق الصراعات في العالم كانت بسبب تخلات الغرب ، بالغزو حينا وبالاحتلال حينا آخر ، بالثورات الربيعية حينا وبحجة الديمقراطية حينا آخر ، بادعاء خطر أسلحة نووية ودمار شامل حينا وبالقضاء على الإرهاب حينا آخر ، كلها أسباب واهية لا تعدو عن كونها ستار كاذب لتحقيق أغراضهم ، وخير دليل على ذلك الاحتلال الإسرائيلي الفج المدعوم من الولايات المتحدة ومن الغرب ، وهيروشيما وناجازاكي ، وڤيتنام وكوبا وجوانتانمو وسجن أبو غريب .
لكن في كل تلك الصراعات التي كانت الولايات المتحدة والغرب يتمكنون فيها من تحقيق أغراضهم كان هناك حكام يفقتقرون إما للذكاء أو للوطنية ، وغالبا ما يكونون أول كبش فداء يتم التضحية به بعد انتهاء مهمتهم الغبية ، وهذا ما نراه اليوم مع الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي ، ذو الأربع والأربعين عاما ، الذي لا يملك سابق خبرة سياسية لكنه يملك خبرة كوميدية، فهو ممثل كوميدي ومغني ومقلد شخصيات ومونولجست ومقدم برامج ، ديانته اليهودية ويتحدث العبرية ، ولا ضير في كل هذا ، لكنه حين يسوق بلده بغباء نحو حرب لا قبل لها بها ، متصورا أن الغرب سيدعمه ويحيمه ليهدد أمن دولة عظمى كانت بلده جزءا منها ، فهذا هو الغباء بعينه ، وهو تجسيد كبير لقلة الخبرة والجهل السياسي الذي أوقع بلده في الفخ .
فلابد أن السيد زيلينسكي قد درس في طفولته مقولة خروشوف : " إن الثورية إذا لم تملك قوة تحميها فهي خيانة " ! لقد كان الرجل مجرد فأر تجارب للولايات المتحدة وحلف الناتو ، يختبران به صبر وقوة روسيا ، ليقتربا من عمقها الاستراتيچي وأمنها القومي ، وها قد وصلهم الرد الذي سيدفعون ثمنه وسيدفع ثمنه العالم أجمع ، وشعوب لا ذنب لها ، سوى أنها عاشت في زمن يحكمه من يعتقدون أنهم الأذكى وأن القوى الدولية مازالت في أيديهم ، لكن على الرغم من كل ظلمات هذه الحرب ومساوئها وتبعاتها فإنها ستعيد إلي هذا العالم مرة أخرى التوازن الذي افتقده منذ زمن بعيد .