المداخلة العابرة للسيد الرئيس عبد الفتاح السيسي، على هامش افتتاحه أمس، لعدد من المشروعات القومية في الشيخ زايد وأكتوبر، عندما كلف الحكومة ببناء جامع وكنيسة، في كل مشروع من مشروعات المدن الجديدة، هي – في الحقيقة – مداخلة مقصودة، تعكس سياسة دولة ومنهج نظام.
هذا النظام، لا يفرق بين المصريين في جغرافية مكان، أو يميز بينهم على أساس ديني، فالكل أمام الوطن سواء، في العدالة والمواطنة. الكنيسة والجامع هما صلب وجدان المصريين. منهما خرجت المعرفة والعلم، الوطنية والثورة، العادات والتقاليد.
التكليف الرئاسي كان واضحاً، للدكتور عاصم الجزار وزير الاسكان والمجتمعات العمرانية الجديدة، بقول الرئيس: "ما فيش مشروع سكني يتعمل ومبني فيه جامع.. إلا ونعمل فيه كنيسة"، ثم وجه حديثه إلى رئيس الوزراء: "يا دكتور مدبولي حتى لو المشروع اللى هيتعمل دا هيكون لـ 100 شخص، لازم يكون المكان فيه جامع وجنب منه كنيسة، مش نروح ناخد شقة بعد كدا ونقول نعملها كنيسة".
هذه ليست مداخلة، هي منهج وفكر لدولة المواطنة، التي تستحقها مصر، بعد " عقود عجاف" من التقسيم والتفرقة، والتحريض الطائفي، الذي قاده تيار الإسلام السياسي، وحاول من خلاله " تخريب" عقول المصريين، وضرب ثوابتهم الوطنية، التي أقرها عصر التنوير، في مصر الحديثة قبل مائة عام من الأن.
مداخلة الرئيس.. قليلة الكلمات عميقة الفكر والمضمون، عكست صلب الشخصية المصرية، واعترافها بكل دين سماوي، وأن الوطن للجميع، يسع الكل بلا تمييز، أو تقليل من حقوق أحد.
على مر التاريخ، كانت عصور القوة لمصر، في تماسك وحدتها الوطنية، ومدى قوة شعبها على تجاوز أية أزمات. وهذه الصلابة تمثلت في وقفات حاسمة، ضد محاولات الاستعمار دوماً لضرب هذه الوحدة بشتى السبل.
لعل أبرز مظاهر الوحدة الوطنية المصرية في التاريخ الحديث، تلك التي تجلت عقب الثورة المصرية عام 1919. فبعد أن فرغ الزعيم سعد زغلول، من تمثيل العناصر السياسية فى الوفد المصري، اتجه إلى ضم عدد من الشخصيات القبطية، لتأكيد معنى الوحدة الوطنية، وقطع الطريق أمام الدسائس الإنجليزية. يقول الزعيم فى مذكراته: كان سينوت بك حنا أول شخص من الأقباط افتكرنا فيه، ثم جورجى بك خياط، فدعوناه، فحضر، وقبل أن يقبل عضوية الوفد، استفهم منى عما يكون من شأن الأقباط بعد الاستقلال؟
فقلت: «بعد الاستقلال يكون شأنهم شأننا.. لا فرق بين أحد منا إلا فى الكفاءة الشخصية» فسّر بذلك.
ويقول الدكتور عبدالعظيم رمضان نقلاً عن العقاد فى كتابه عن سعد زغلول - إن الأقباط قد خشوا - من قبل أن يتم انضمام سينوت حنا وجورجى خياط إلى الوفد، أن يغفل سعد باشا أمر تمثيلهم، لأنهم اتفقوا فى نادى رمسيس على إيفاد الأستاذ ويصا واصف، ومعه عضوان من أعضاء النادى، لمفاتحته فى الموضوع، وعندما قابلوا سعداً، أزال قلقهم، وظنّ أنهم يرشحون ويصا واصف لهذه الوكالة، فرحب باختياره، ولكن الأستاذ ويصا تنحى معتذراً، مقترحاً أن تكون الوكالة لرجل مثل واصف غالى باشا، فقبله سعد باشا على الرحب والسعة.
كل هذه الأحداث على أن فكرة الوحدة والحفاظ على النسيج الوطني المصري، كانت تشغل الطرفين وليس طرف واحد. كذلك تبرز نضوج الفكرة القومية عند الأقباط، وارتفاع مستوى الوعي الوطنى عند قادتهم، وهو ما تشير إليه فكرة ضم الأقباط عند سعد زغلول، التي كان يقابلها فى نفس، عزمهم على الانضمام إلى الوفد، ورغبة فى المشاركة فى ضمن الهيئة الوطنية، التى تحملت مسئولية الكفاح الوطنى، وقادت الحركة الوطنية المصرية على مدى العقود التي تلت هذا التاريخ.
الأمة المصرية الأن تستعيد روح الوحدة الوطنية، التي وجهت لها سهام الغدر على مدى العقود الماضية.. عن عمد من بعض.. أو جهل من بعض آخر..!