قبل أحداث 25 يناير 2011 كنا في مصر بشكل خاص، والوطن العربى ودول العالم الثالث بشكل عام، نتعاطى مع تقارير منظمات حقوق الإنسان، وما تنشره وسائل الإعلام الغربية والأمريكية بكافة مشاربها المقروءة والمرئية والمسموعة، في تناولها لقضايا وأحداث، سياسية كانت أو عسكرية واقتصادية، باعتبارها كلاما مقدسا، لا يقترب منه الباطل من قريب أو بعيد.
وبعد أحداث 25 يناير 2011 تكشف الوجه الحقيقى لهذه المنظمات الحقوقية، ووسائل الإعلام الغربية، عندما تعاطت مع ما يحدث في مصر وتونس وسوريا وليبيا واليمن والعراق، ورأينا من الكذب وترويج الشائعات ما لا عين رأت ولا أذن سمعت، بجانب اختلال فج في معايير التناول، وبمرور الوقت، استعر الكذب والخداع في التناول لما يدور في أوطاننا، وتبين أن اختلاق وترويج الأكاذيب، جوهر خطة إسقاط الأوطان في مستنقع الفوضى.
وبمرور الأيام والشهور والسنوات، تكشفت الحقائق والأسرار، من خلال التسريبات، بأن ما كانت تبثه المنظمات المدعية بالدفاع عن حقوق الإنسان، وما يُنشر في وسائل الإعلام الغربية والأمريكية الشهيرة مقصود ومتعمد لإشعال النار، وزرع الفتن في مصر وسوريا وليبيا على سبيل المثال، وتنفيذ حرفى لما يطلب منها، أكدتها تسريبات "إيميلات" وزيرة الخارجية الأمريكية، هيلارى كلينتون!
ورغم افتضاح وتعرية وانهيار مصداقية هذه المنظمات ووسائل الإعلام، وبشكل مستمر، إلا أن تناولها للحرب الروسية الأوكرانية، فاق سقف خيال أكثر المؤمنين بوجود المؤامرات الكونية، ورأينا كيف يكيلون بعشرات المكاييل في إدانة قرار روسيا بشن الحرب على أوكرانيا، بينما يؤيدون ضرب أمريكا للعراق وسوريا وليبيا.
وجدنا المنظمات الحقوقية والإعلاميين في وسائل الإعلام الأمريكية والغربية، يتباكون ويقيمون الدنيا على هروب أصحاب العيون الزرقاء والشعر الأصفر، عبر الحدود، ووصفهم، بأنهم ليسوا لاجئين سوريين، في عنصرية فجة، بجانب منع كل ما هو عربى أو إفريقي لا يتمتع ببشرة بيضاء وشعر أصفر وعيون زرقاء من الهرب خارج الحدود الأوكرانية، والسؤال أين التباكى على حقوق الإنسان، والمساواة والعدل؟.
أكثر من مشهد بالحرب الروسية الأوكرانية كشف فساد بضاعة حقوق الإنسان، وفجاجة تناول وسائل الإعلام وتحيزها المفرط لصالح طرف ضد طرف، سنذكر بعضها في الآتى:
المشهد الأول:
مراسل أشهر شبكة تليفزيونية أمريكية CBS تحدث عن الأوكرانيين في الملاجئ، وفجأة تغلبت عليه عواطفه فقال نصا: "هذا المكان ليس العراق.. ولا أفغانستان.. هذا بلد أوربي متحضر.. لن تتوقع أو تتمنى أن يحدث شيء كهذا فيه".
هنا يتبين مدى العنصرية، واندثار المبادئ والقيم الإنسانية، وحقوق الإنسان التي لطالما تغنوا وترنموا بها في تناولهم لأحداث بلادنا العربية!.
المشهد الثانى:
مراسل الـBBC البريطانية، استخرج من مخزون مشاعره الحقيقية على الهواء مباشرة، الكثير من العنصرية، قائلا: "ما يحدث يثير المشاعر، لأني أشاهد أشخاصاً أوربيين بعيون زرقاء وشعر أشقر.. وأطفالاً يقتلون بصواريخ بوتين كل يوم".
المراسل يدشن حقيقة ما يفكر فيه كل حقوقى وإعلامي أوروبي وأمريكي، وكأنه يؤكد المؤكد بأن الصواريخ ودانات المدافع والقنابل، وباقى الأسلحة الفتاكة، صُنعت من أجل قتل العرب ودول العالم الثالث، وحماية أصحاب العيون الزرقاء!
المشهد الثالث:
مراسلة شبكة راديو وتليفزيون الـ NBC الأمريكية، تحدثت بنفس لسان زملائها في الـ"بى بى سى" البريطانية، والـ"سى بى إس" الأمريكية، عن اللاجئين الأوكرانيين الفارين للحدود البولندية، عندما قالت: "هؤلاء ليسوا لاجئين من سوريا، هؤلاء لاجئون أوكرانيون، هؤلاء مسيحيون، وبيض، ومشابهون للأشخاص الذين يعيشون في بولندا".
المشهد الرابع:
صحيفة التيلجراف البريطانية العريقة، سارت على نفس نهج مراسلى القنوات الأمريكية والبريطانية، ورددت نفس النغمة العنصرية الوقحة، عندما كتبت في تغطيتها للأحداث: "إنهم يشبهوننا، وهو ما يشكل صدمة لنا.. أوكرانيا بلد أوروبي، يمارسون ما يمارسه أقرانهم الأوروبيين.
المشاهد الأربعة لتناول المنظمات الحقوقية ووسائل الإعلام الأمريكية والأوربية، لم تختلف كثيرا عن تصريحات بعض المسؤولين الرسميين الأوروبيين والأمريكان، فقد جنحوا أيضا في تصريحاتهم لنفس العنصرية، وكأن مصطلحات حقوق الإنسان والعنصرية، لا هي إلا مسوغات للتدخل في شؤون بلادنا، وكروت ضغط لتنفيذ مخططاتهم!.
والسؤال: هل ندرك كمصريين، وعرب، مدى كذب وخداع وعنصرية وسائل الإعلام الغربية، والمنظمات الحقوقية، وأنها مغرضة، وتسوق لأهداف خبيثة تنال من أمن واستقرار أوطاننا، وبعيدة كل البعد عن المهنية والحيادية؟!.