أفكر أحيانا فى سؤال ممتد: من أول إنسان نفخ فى البوق وأعلن بداية الحرب فى الأرض؟ كيف خطط لها، وكيف انتقل من مرحلة العراك إلى مرحلة الحرب الشاملة؟ هل فعل ذلك بحثًا عن حقه أم رغبة فى العدوان؟ هل انتصر أم انهزم؟ هل ندم عندما نظر فى جنوده فوجدهم بين قتلى وجرحى أم أنه ابتسم عندما وجد عدوه راكعًا على ركبتيه يطلب الرحمة؟ هل أطاع قلبه فرحمه أم أطاع عقله فقتله؟.
هل فكر بأن الأمر لم يكن يستحق كل هذه الدماء، أم أنه مسح التراب عن وجهه وقبَّل سيفه وسهمه؟ هل نظر في وجوه أبنائه فوجدهم قد نقصوا أحبهم إليه فبكى، أم اعتبره قربانًا للنصر، واكتفى بأن رسم صورته على حجر قديم؟ هل فكر فى الأمهات الثكلى أم عدهن جانب الضعف فى حياته؟ هل آوى إلى امرأته يبث لها لحظات خوفه التى شعر بها عندما كان رمح يسعى لقلبه قبل أن يفديه جندي بائس لم ير الرمح أصلا، أم أنه سيكتم ذلك ويسعى ليتفرس فى وجه الأسيرات دلائل نصره وفوزه؟.
كيف عاش حياته بعد ذلك: هل قضى أيامه خائفًا يترقب أم مزهوا مثل طاووس؟ هل تغيرت حياته بعد ذلك وصار يشم رائحة الدم مثل حيوانات الغابة المتوحشة أم عافت نفسه اللحم والدم؟ هل قضى وقتا طويلا قبل أن يخوض معركته الثانية؟ هل حذف كلمات التسامح والرحمة والمناقشة والعطف من قاموسه واستبدلها بالقتل والأسر والذبح والطرد والتهجير؟ هل فكر فى الأطفال المولودين حديثا كجنود حرب مستقبليين؟ هل نسى أمر الزراعة والصناعة واعتقد بأنها تليق بالعامة والعاديين من البشر؟ هل رأى نفسه مقدسا وأنه يحقق عدالة فى الأرض؟.
هل جاء بمن يكتب له سيرته على الجدارن وطلب منه أن يمحو ملامح القلق التى شعر بها عندما نفخ أحد رجاله في البوق معلنا الحرب؟ هل تساءل مثلى: لماذا بدأت الحرب أصلا؟.