لو استخدمت محرك البحث العملاق جوجل لتعرف كم تبعد الحرب الروسية الأوكرانية عن مصر ستجد الإجابة حوالي 2.600 كيلو متر، وهذه مسافة بعيدة نسبياً عن مجريات الحرب، وتفصلنا عنها حدود وبلاد وتضاريس مختلفة، إلا أن هذه الحرب بالطبع تؤثر علينا، خاصة في النواحي الاقتصادية، ارتباطاً بما تساهم فيه روسيا وأوكرانيا من واردات الحبوب والزيوت لمصر، لكن النظرة ليست كما يتصور البعض، فالأمر لا يخل من تهويل أو مبالغة.
بدأت وسائل الإعلام الغربية على مدار الأيام الماضية تتحدث عن مصر وكأن الحرب تدور على أراضيها، لدرجة أن بنك "جيه. بي مورجان" ذكر أن المالية العامة لمصر قد تواجه ضغوطا في ضوء ارتفاع أسعار السلع الأولية والغذاء، والانخفاض المحتمل في أعداد السياح الروس، مرجحا أن تكون هناك حاجة إلى خفض كبير في قيمة الجنيه المصري، وأن الحكومة المصرية قد تحتاج مزيدا من المساعدة من صندوق النقد الدولي إذا استمر تزايد ضغوط الأسواق المالية.
الغريب والعجيب أن بنوك الاستثمار الأجنبية، ووسائل الإعلام الغربية، تركت الدول التي تدور الحرب على أراضيها، وتوقفت تقاريرها وتوقعاتها عن مستقبل الاقتصاد الأوكراني، ومستويات التراجع في الـ "هريفنا" – العملة الأوكرانية - بعد إغلاق المصانع والشركات وهجرة الملايين من السكان إلى الدول المجاورة، تفرغوا فقط للحديث عن مصر ووضع الجنيه المصري، والاقتصاد المصري، دون مؤشرات أو دلائل حقيقية تكشف النتائج التي وصلوا إليها غير تخويف المستثمرين وزيادة حالة الهلع والفوضى التي ظهرت في الأسواق خلال الأيام الماضية.
قد تواجه مصر صعوبات اقتصادية خلال الفترة المقبلة، لكن هذا الأمر لا يرتبط بمصر وحدها، بل النظام العالمي بالكامل، الذي يشهد تغيرات حادة خلقتها الحرب الروسية الأوكرانية، والعقوبات غير المسبوقة التي تتخذها دول أوروبا وأمريكا ضد موسكو، والحرب الإعلامية الشرسة، التي تدار ضد دول الكتلة الشرقية، لذلك يجب أن ننتبه جيداً للتقارير التي يتم تصديرها في الوقت الراهن للتأثير على أداء الاقتصاد المصري، بهدف إثارة حالة من الفوضى في أسواق المال، تؤثر بصورة مباشرة على استثمار الأموال الساخنة.
حجم الاحتياطي النقدي المصري من العملات الأجنبية لدى البنك المركزي بلغ 40.9 مليار دولار، حتى نهاية الشهر الماضي، بما يؤكد أن موقف استيراد السلع الأساسية والاستراتيجية آمن تماماً، كما أن الالتزامات الدولية لمصر يتم سداداها في المواعيد المقررة دون تأخير أو مشكلات، كما أن احترافية مصر في التعامل مع جائحة كورونا على مدار 3 سنوات توافرت فيها السلع ولم يشعر المواطن بأي نقص أو مشكلات، تؤكد أن الدولة قادرة على إدارة الأمور بصورة احترافية، لذلك علينا أن نثق في الحكومة ونقدم الدعم لها، ونحرص على اتباع أنماط استهلاكية تتناسب مع الوضع الراهن، تتمثل في التخلي عن السلع الاستفزازية، وتقليل معدلات الاستهلاك بصورة تضمن تقليل الهدر.
جزء كبير من حالة اللغط والفوضى التي تعيشها الأسواق مرتبط بالسوشيال ميديا، وحالة الاسترسال المستمرة لدى البعض عن الأسعار ومستوى وفرة السلع والغلاء، فالقضايا الافتراضية سرعان ما تتحول إلى قضايا عامة ومشكلات، ويتم ترجمتها على أرض الواقع لاحتكارات واستغلال، لذلك يجب أن نهدأ ونتحمل المسئولية في ظل هذه الظروف، ونبدأ بأنفسنا، فصلاح المجموع في صلاح الفرد، ونطمئن أنفسنا بأن الوضع آمن ومستقر، والدولة تؤمن احتياجات المواطنين ببدائل وسيناريوهات مختلفة، ولا داع للقلق.