الأسعار في السوق الحرة تتوقف على المستهلك دائماً، وتعتمد في جوهرها على العرض والطلب، لذلك الزبون هو الذي يمكنه أن يضاعف من سعر سلعة أو خدمة معينة، نتيجة الإقبال عليها أو العكس، فالأسواق تتغير حركتها وفقاً لاحتياجات زبائنها، وأولوياتهم عند الشراء، لذلك فالجزء الأكبر في قضية الأسعار يعتمد على المستهلك، وليس كما يتصور البعض في الرقابة الحكومية.
دور الحكومة في قضية الأسعار يتوقف على التأكد من كفاية السلع المطروحة في الأسواق والقضاء على الاحتكار، وعمليات التخزين المنظمة أو العشوائية للسلع والبضائع، لكن المستهلك هو من يحدد السعر الأساسي لهذه السلع، لذلك لن نتمكن من مواجهة موجة الغلاء الحالية إلا بتحسين أنماط استهلاكنا للسلع والخدمات، وكل مظاهر الاستهلاك الترفى، التي بالمناسبة لا ترتبط بالأغنياء فقط، لكنها ثقافة متجذرة في المجتمع.
بالفعل مكونات الإنتاج ارتفعت خلال الفترة الماضية نتيجة زيادة معدلات التضخم العالمية، بالإضافة إلى تبعات الحرب الروسية الأوكرانية، لكن معدلات استهلاكنا للسلع والخدمات هي التي ستحدد السعر الحقيقي للسلع، فنحن نحتاج إلى تقليل الاستهلاك وليس ترشيد الاستهلاك، خاصة وإن كانت استهلاكاتنا تفوق الحدود وتزيد بصورة كبيرة عن كل المعدلات العالمية.
دائماً أطرح سؤالا هاماً لكنى لا أجد الإجابة المناسبة.. لماذا تعتبر مصر أكبر مستورد للقمح فى العالم؟ ولماذا المواطن المصري هو الأكثر استهلاكاً للدقيق بين كل سكان الكرة الأرضية؟!، مع العلم أن إنتاج مصر من القمح المحلى يجعلنا في المرتبة الخامسة أو السادسة عالمياً، لكن استهلاك الفرد يصل إلى 100 كيلو جرام من الدقيق سنوياً، وهذا يشكل ضعفي النسبة في الاتحاد الأوروبي وثلاثة أضعافها في سائر مناطق العالم، وفقاً لما ذكرته دراسة فرنسية.
نمط التعامل مع السلع الغذائية في مصر يجب أن يتغير، خاصة أن معدلات الفاقد في الطعام والشراب كبيرة جداً، وفى ظل ارتفاع الأسعار العالمية، لا توجد بدائل سوى تقليل الاستهلاك وليس ترشيده فقط، وتقليل الفائض، والاعتماد على كفاية الاحتياجات الفعلية، والتخلي عن السلع الاستفزازية المستوردة، التي تتوافر منها بدائل محلية، ويمكن تغطيتها بالإنتاج المحلى، لذلك نحتاج إلى حملات تسويق اجتماعي تتبناها الشركات الكبرى والبنوك والمؤسسات الاقتصادية، وقد يكون شهر رمضان فرصة مناسبة لمثل هذه الحملات، حتى نتمكن من ضبط المعادلة، دون إرهاق للدولة أو تحميل مبالغ فيه على الاحتياطي الاستراتيجي من العملات الصعبة.
النمط الغذائي الاستهلاكي في مصر لا يكلفنا عملة صعبة فقط، بل يساهم بصورة مباشرة وغير مباشرة فى انتشار العديد من الأمراض المزمنة، أو السارية مثل السكر والضغط والسمنة، وقد وصلت معدلات انتشار هذه الأمراض إلى نسب غير قليلة، جعلت الدولة تتدخل لعمل حملات قومية للكشف عنها وتوفير العلاج لها، نظرا لخطورتها وتهديدها صحة المواطنين، لذلك أتصور أن وعى المستهلك هو الرهان الحقيقي والمؤشر الفعال لمواجهة معدلات الاستهلاك المرتفعة والسيطرة على الأسعار الجامحة.