أتابع بشكل يومي التطورات المتلاحقة للحرب الأوكرانية منذ نهاية فبراير الماضي، وتداعيات هذه الأزمة على العالم بشكل عام، ومنطقة الشرق الأوسط ومصر بشكل خاص، المتابعة هنا تأتي في إطار عملي كصحفي متخصص في الشؤون العربية والدولية أولا، وكمواطن مصري حريص على متابعة مستجدات ما يجري في العالم، وتأثيره المباشر وغير المباشر علينا، ولعل أبرز هذه التداعيات هي محاولة بعض التجار والمحتكرين رفع أسعار السلع الاستراتيجية، دون الالتفات للأضرار التي يمكن أن تسببها هذه التحركات على المواطنين.
التحركات السريعة التي قامت بها الدولة المصرية يؤكد مجددا ما أشرت إليه في مقالات سابقة أن مصر باتت دولة مؤسسات قوية تمتلك استراتيجية واضحة للتعاطي مع أي أزمات، والأهم أنها تعمل بشكل استباقي وليس بـ"ردة الفعل" وهو أمر هام للغاية، وتفاديا لأي محاولات لاحتكار السلع ورفع أسعارها تم تشكيل لجنة برئاسة رئيس الوزراء لمواجهة تأثير الازمة العالمية الراهنة على السلع الاستراتيجية بتوجيهات من الرئيس عبد الفتاح السيسي، لحماية المواطنين من جشع بعض التجار ومحتكري السلع الذين يظهرون في الأزمات، فهم بمثابة "تجار حروب" ينظرون لمصلحتهم الشخصية دون الالتفات للمصلحة العامة.
من المهم أن يفهم المواطن البسيط أن ما يجري حاليا في أوكرانيا سيكون له تداعيات على كافة دول العالم بدون استثناء، خاصة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، وهو ما يتطلب تكاتف جميع المواطنين للتصدي لهذه الأزمة لأننا شركاء في هذا الوطن ويجب علينا الالتفات خلف مؤسسات الدولة ومساعدتها في ملاحقة التجار ومحتكري السلع، لملاحقتهم ومحاسبتهم والاتجاه سياسة الردع السريع والمبكر تجاه أي محاولة للمضاربة ورفع أسعار السلع الأساسية والاستراتيجية.
تحركات الحكومة المصرية حتى الآن مطمئنة لأنها تحركت بشكل مبكر لضبط السوق المصري بالعمل في عدة مسارات أولها ملاحقة محتكري السلع والذين يعملون على رفع الأسعار قانونيا، التحرك لتوفير السلع الاستراتيجية بأسعار مناسبة ومخفضة لكافة المواطنين لتخفيف العبء عن كاهل المواطن المصري، لكن هناك دور أهم وأساسي على المواطنين المصريين وهو المساعدة في الإبلاغ عن محتكري السلع و"تجارب الحروب" لملاحقتهم ووأد أي محاولة فردية أو جماعية لرفع الأسعار في أيا من المحافظات والابتعاد عن سلوكيات اجتماعية خاطئة متوارثة بتخزين السلع.
التحركات التي تقوم بها القوات المسلحة ووزارة الداخلية بتوجيهات من الرئيس عبد الفتاح السيسي لتوفير السلع الأساسية والاستراتيجية بالتنسيق مع وزارة التموين والمؤسسات المعنية أمر محمود ومطلوب في هذا التوقيت، ومنها التحركات التي قامت بها الشركة القابضة للصناعات الغذائية بتوفير مختلف أنواع السلع للمواطنين، من خلال 169 معرضًا بمختلف المحافظات، ودعم القوات المسلحة لجهود توفير متطلبات المواطنين من السلع، بعدد 202 منفذًا ثابتًا، وعدد 1187 منفذًا متحركًا، ومساهمة وزارة الداخلية بعدد 740 منفذًا ثابتًا، وعدد 190 منفذًا متحركًا.
تحرك مهم لوزارة الداخلية المصرية بإطلاق المرحلة الـ 22 من مبادرة كلنا واحد والتي تستمر لمدة شهر كامل، وذلك لتوفير كافة مستلزمات الأسرة من "سلع غذائية وغير غذائية" بجودة عالية وأسعار مخفضة عن مثيلاتها بالأسواق، والجميل أن المبادرة توفر السلع بجودة عالية وأسعار مخفضة عن مثيلاتها بالأسواق بنسبة تتراوح بين 25% إلى 60% بالمنافذ والسرادقات.
هناك مجموعة أفكار يمكن أن تساعد في عملية ضبط الأسعار بالسلاسل التجارية ومحلات السوبر ماركت تتمثل في تنظيم وزارة الداخلية لدوريات يومية مثلما تحركت خلال فترة فرض حظر التجوال عقب انتشار جائحة كورونا لمراقبة أسعار السلع ومدى توافرها، تشكيل لجنة تعمل على تقييم السلاسل التجارية ويتم تصنيفها وفق معايير محددة بحيث يكون أفضل تقييم لمن يلتزم بأسعار السلع الاستراتيجية وعدم رفعها وتوفيرها، ويكون أسوأ تقييم لمن يلجأ لرفع الأسعار وحجبها بغرض الاحتكار، ويتم ملاحقة كافة السلاسل التجارية التي تحصل على أسوأ تقييم قانونيا وتقديم امتيازات حكومية لأصحاب السلاسل التجارية والمحال التي تلتزم بالأسعار المحددة للسلع وعدم حجبها عن المواطنين، ويجب البحث عن آلية واضحة لضبط سعر العيش السياحي حيث عملت بعض المخابز على رفع سعره إلى الضعف في بعض المناطق، وأخيرا الرد بشكل سريع على أي شائعة تصدر عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو غيرها بتوفير المعلومات الصحيحة والمؤكدة.
يأتي الدور الأهم والأكبر لوسائل الاعلام المسموعة والمقروءة والمرئية سواء قنوات تليفزيونية وصحف ورقية ومواقع إلكترونية، بضرورة تكثيف الحملات الإعلامية خاصة على مواقع التواصل الاجتماعي لتعريف المواطنين بواجباتهم في هذه الفترة، لتعريف المواطنين عبر خاصية البث المباشر على "فيسبوك" و"تويتر" بأماكن بيع السلع بأسعار مخفضة ضمن مبادرة "كلنا واحد"، ومنافذ بيع السلع الاستراتيجية بأسعار مخفضة والتي أعلنت عنها الحكومة المصرية، وذلك كي يكون المواطن المصري المقيم في أي محافظة على دراية تامة بأماكن منافذ بيع السلع الأساسية، وتقديم المعلومات المؤكدة من مصادرها الرسمية وعدم الانسياق للشائعات والأكاذيب التي تنشرها بعض المنصات.
الدور المجتمعي مهم للغاية لمواجهة أزمة ارتفاع أسعار السلع الأساسية بتغيير سلوكيات بعض المواطنين الذين يحرصون على تخزين السلع أو شراء كميات كبيرة، ما يؤدي لنقص المعروض من السلع وزيادة الطلب وهي ذريعة تدفع التجار لرفع سعر السلعة، لذا علينا شراء احتياجاتنا بشكل يومي والتخلي عن فكرة شراء كميات كبيرة من السلع وتخزينها لأن ذلك سيؤدي لتضرر الجميع بدون استثناء، وهذا يتطلب أيضا عدم بيع التجار والسلاسل التجارية لكميات كبيرة من السلع الأساسية سواء الزيت أو السكر أو الأرز.. إلخ، تجاوزنا فترات صعبة في السابق وتحديات كبيرة أثبتت للجميع حرص المواطن المصري على الأمن والاستقرار في بلاده وتجاوز أي محنة بتكاتف الجميع، وسنتجاوز هذه الفترة بتكاتف المواطنين مع مؤسسات الدولة المصرية التي عملت خلال السنوات الماضية على زراعة مئات آلاف الأفدنة للسلع الأساسية لتقليل حجم واردات بعض هذه السلع.