خلال متابعة الأخبار اليومية وتصفح المواقع الإلكترونية، سوف تجد أخباراً وتقارير صحفية تنذر الناس بارتفاعات متوقعة في أسعار العقارات بين 30 إلى 35%، بدعوى الأسعار العالمية، والضغوط الدولية التي نتج عنها ارتفاع تكاليف حديد التسليح ومواد البناء، بالإضافة إلى ارتفاع قيمة الدولار أمام الجنيه، والدفع الدائم نحو فكرة شيطنة الأسعار، دون دراسة واعية لما يدور في الأسواق وحالة الركود التضخمية التي ستنتج مستقبلاً نتيجة هذه القرارات، التي حتماً ستؤدى إلى تباطؤ النمو وتراجع الاستثمار في القطاع العقاري.
ارتفاع أسعار العقارات بمعدلات غير مسبوقة، يقود إلى ركود مستويات المبيعات وتراجع معدلات النمو، وانكماش في توسعات الشركات وخططتها المستقبلية، وهذا بدوره يدفعها للتخلي عن جزء من العمالة بما يساهم في رفع معدلات البطالة، وهذه المعادلة ببساطة تسمى "الركود التضخمي"، وهو أخطر ما قد يواجه السوق العقاري في الفترة المقبلة، نتيجة الزيادات غير المدروسة في الأسعار، وعدم القدرة على مواجهة خسائر وقتية سوف تتغير بانتهاء الأزمة العالمية الناجمة عن تداعيات كورونا والحرب الروسية الأوكرانية.
بالفعل تكلفة إنشاء الوحدات السكنية ارتفعت خلال الفترة القليلة الماضية، لكن لا يجب أن يكون رفع الأسعار هو الخيار الأول، خاصة أن أغلب الوحدات تباع بالتقسيط طويل الأجل، وتم تحميلها مبالغ كبيرة تزيد عن قيمتها الحقيقية بنسبة 100% تقريباً، لذلك يجب أن يكون الحديث عن نسب مقبولة بين 5 إلى 10% على أقصى تقدير، خاصة أن هذه النسبة سوف تشكل رقماً ضخماً يزيد عن الـ 150 ألف جنيه في الوحدات المتوسطة والصغيرة.
البعض يرى أن ارتفاع أسعار الحديد والأسمنت هما الدافع للشركات لرفع قيمة الوحدات العقارية، لكن هذا السبب لا يمكن أن نعول عليه لارتباطه بظروف وأحداث عالمية وقتية سوف تنتهي، وتعود الأمور إلى نصابها وفقا لآليات العرض والطلب الفعلية بالأسواق، دون ضغوط تضخمية أو أحداث عالمية، كما أن الشركات العقارية لن ترد للزبون جزء من أمواله حال انخفاض الأسعار بنسب معتبرة عن الفترة التي تعاقد خلالها.
القطاع العقاري يعاني منذ 5 سنوات من أزمة التقاطع بين العرض والطلب، فالمستهلك يبحث عن مواصفات معينة بأسعار معينة، بينما الموجود لا يعبر عن هذا الطرح، فالطلب قائم وحقيقي لكنه أقل من القيم المطلوبة في المعروض، فالمستهلك يبحث عن وحدة سكنية بالتقسيط ثمنها 500 ألف جنيه، بينما المطور يطرحها بـ 1.5 مليون جنيه، فالنتيجة كما ذكرت في السطور السابقة ركود تضخمي ممتد ليس في صالح القطاع العقاري، خاصة في ظل وجود الفرصة البديلة "شهادات الادخار"، التي تم طرحها مؤخراً وتقدم فائدة 18% سنوياً.
أتصور أن أي تحريك في أسعار العقارات خلال الفترة المقبلة، يجب أن يكون مدروس، وأن تتنازل الشركات العقارية عن جزء من مكاسبها في مقابل تنشيط حركة المبيعات، وعدم الوقوع في دائرة الركود التضخمي، التي قد تعصف بالشركات الصغيرة والمتوسطة إلى غير رجعة، خاصة أن هذه الشركات ليس لديها ملاءة مالية ضخمة ومعدلات سيولة تتحمل تراجع المبيعات وتغطية التكاليف الثابتة والمتغيرة.