عندما تريد الكتابة عن تاريخ منتخب مصر، فتجد القلم لا يجد كلامًا يعبر عنه، فهو دائمًا حالة من الوطنية والروح المفعمة بأحلام أبداً لا تموت في بحر النسيان، فالجيل الحالي للمنتخب الوطني ومعه كل الأجيال على مر العصور من عبد الرحمن فوزي ومختار التتش وصالح سليم ومحمود الجوهري والخطيب وحسن شحاتة وجيل الثلاثية التاريخية لبطولة أمم أفريقيا 2006 و2008 و2010، وغيرهم الكثير والكثير، فإذا كتبنا كل الأسماء لن نجد مساحة لاستيعابها، فهم أثروا ماضينا وحاضرنا بحالة مفعمة بالإبداع والإنجازات الراسخة في تاريخنا القديم والحديث والمستقبلي.
هنا يحضرني 3 مشاهد محفورة في ذاكرتنا جميعًا أثناء متابعة مباريات منتخبنا الوطني، فمن لا يتذكر مشهد الملايين من الجماهير في المدرجات وهي ترفع أعلام مصر وتهتف في نفس واحد "مصر.. مصر.. يارب النصر لمصر"، على أرض استاد القاهرة الدولي خلال استضافة بطولة كأس الأمم الأفريقية 2006، وكان مسك الختام في هذه البطولة أكثر من رائع بعد أن حصدنا اللقب من أنياب كوت ديفوار بركلات الترجيح في النهائي.
لا يمكن أن ننسي أيضًا مشهد نزول الملايين في الشوارع بكل محافظات المحروسة، بعد الفوز ببطولتي أمم أفريقيا 2008 و2010، مع كتيبة الجيل الذهبي بقيادة "المعلم" حسن شحاتة، فكانت الفرحة العارمة والرقص في كل شبر و"كلاكسات" السيارات متوحدة في حب مصر و"الزغايد" تهز أركان البيوت.
مشهد دراما الصعود لكأس العالم 2018، كان الأكثر تأثيرًا في الوجدان، فالجميع ينتظر ويترقب تحقيق الحلم الغائب قرابة الـ 30 عامًا، خلال مباراة مصر والكونغو على استاد "برج العرب" بالإسكندرية، وذلك بعد أن منحتنا أوغندا فرصة ذهبية بعد تعادلها مع غانا، إذ أصبح فوز الفراعنة بأي نتيجة يعنى التأهل رسمياً دون النظر للمواجهة الأخيرة أمام "النجوم السوداء"، وبالفعل أحرز المنتخب الوطني هدفاً مبكراً في مرمي الكونغو وبدأت الجماهير تحتفل في المدرجات.
لكن وفي مشهد دراماتيكي تمكن الضيوف من إدراك هدف التعادل في الوقت القاتل، ليكسو الحزن وجوه الجماهير، وكان المشهد الأكثر الأصعب عندما اصطادت الكاميرا بكاء أحد الشباب بحرقة على قرب ضياع الحلم، وجاءت اللقطة التي ستظل عالقة في الأذهان، عندما وجدنا نجمنا العالمي محمد صلاح سقط على الأرض عقب هدف التعادل الذي أحرزه الكونغو، بسبب الحزن الشديد، وكأنه عاد بالذاكرة إلى الوراء ويتساءل: هل سيظل النحس يطاردنا في الصعود للمونديال مثلما حدث في صدمة الخسارة أمام غانا بسداسية في كوماسي؟
ثم فجأة نهض صلاح هو ينظر إلى حكم الراية على أمل أن يحتسبها تسلل إلا أنه احتسبها هدفا، ثم نظر لساعة الملعب وجد أن الدقيقة 89، أي أنه مازال أمامنا 3 أو 4 دقائق على الأقل، فقام على الفور بتشجيع زملائه وتحميس الجماهير، وبدأ المنتخب يضغط بقوة حتى حصل محمود حسن تريزيجيه على ضربة جزاء في الدقيقة الأخيرة من الوقت بدل الضائع، وقام نجم ليفربول بتسديدها وأحرز منها هدف الفوز القاتل، لتحمله الجماهير على الأعناق وتنطلق الفرحة من جديد في كل أنحاء مصر احتفالاً بتحقيق حلم الصعود للمونديال بعد غياب 28 عامًا.
بالتأكيد أن هناك العديد من المشاهد الأخرى في تاريخنا الكروي تستحق تسليط الضوء عليها، سواء مع المنتخب أو كل الأندية المصرية عندما تمثلنا في البطولات الإفريقية، إلا أن المشاهد التي ذكرتها كانت قريبة للغاية إلى القلوب، نظرًا لأنها حديثة العهد ومازالت تمر أمامنا مثل شريط فيلم سينمائي، بالإضافة إلى أنها تجسد المعنى الحقيقي لحب الوطن النابع من القلوب.
اليوم نحن مقبلين على مشهد جديد، عندما يلتقي منتخبنا الوطني مع نظيره السنغالي مرتين في أقل من أسبوع لحسم بطاقة الصعود إلى كأس العالم 2022، وكلنا آمال أن يخرج هذا المشهد، على غرار المشاهد السابقة، وهو خروج الجماهير حاملة أعلام مصر إلى كل شوارع المحروسة والفرحة والرقصات والزغاريد هي عنوانها احتفالا بالتأهل إلى المونديال على حساب أسود التيرانجا.
هنا يجب الإشادة أيضًا بالمبادرة التي أطلقتها وزارة الشباب والرياضة "شجع مصر.. علم في كل بيت" لدعم وتشجيع المنتخب الوطني قبل مباراة الذهاب المرتقبة أمام منتخب السنغال المقرر لها يوم الجمعة المقبل على إستاد القاهرة الدولي ضمن المرحلة النهائية للتصفيات الإفريقية المؤهلة إلى منافسات كأس العالم، خصوصًا أن مثل هذه المبادرات لها دورًا كبيرًا في خلق حالة من الالتفاف الشعبي والعودة إلى زمن التشجيع الجميل، فهذا المشهد يؤكد أننا في بلد تستطيع أن تروِّض المستحيل بسواعد شبابها صاحب الفكر المختلف دائماً والذى نجح بديناميكية خارقة في تحويل الأحلام إلى واقع ملموس بعد بلورة هويتهم وتاريخهم الخاص.
ختامًا، نتمنى جميعًا أن يواصل أبناء المنتخب الوطني عزف سيمفونية التألق مع عالم الساحرة المستديرة والنجاح في خطف بطاقة مونديال 2022 من السنغال، من أجل إسعاد كل الجماهير في كل أركان المحروسة.. "كله يشجع مصر.. ويقول يارب".