سلوك القطيع والفاعل المجهول في رفع الأسعار

في مادة نظريات الاتصال بكلية الإعلام جامعة القاهرة، يدرس الطالب العديد من المداخل الفنية، التي تفسر سلوك الفرد والجماعة، ويقف أغلبها على تخوم علمي النفس والاجتماع، ومن أبرز هذه المداخل النظرية "عقلية القطيع" أو "سلوك القطيع"، الذي باختصار يعنى أن الفرد في بعض المواقف يقلد الجماعة دون تفكير أو تخطيط، ويتأثر بما يقومون به من أفعال وسلوكيات، خاصة إذا توافرت حالة من الزخم أو الترتيب حول موقف أو مشهد معين، فسرعان ما يتبنى الفرد رأى الجماعة، وقد كان الدكتور سامى الشريف، أستاذ الإعلام المعروف، يضرب مثلا على عقلية القطيع، بالشخص الذى يصفق في حفل بصورة عشوائية ودون تخطيط عندما يجد أن جميع من حوله انطلقوا في التصفيق. أستحضر فكرة "عقلية القطيع" لأعرج من خلالها على المشهد الحالي، الذي بات أكثر درامية من أي وقت مضي، فالناس باتت تشعر بارتفاعات الأسعار وتتأثر بها ليس من خلال عمليات الشراء المباشرة، أو دفع الأموال في الأسواق وسداد الفواتير، بل أصبح الأمر أعمق فباتوا يتأثرون بالأخبار والأحداث الرائجة عبر السوشيال ميديا من باب عقلية القطيع والشعور الجماعي، الذي يغلب الفرد ويتحكم في مسار سلوكه، فسرعان ما نجد أشخاصاً يشتكون ارتفاع الأسعار والغلاء في حين أن هناك من يتولى مسئولية إعالتهم، بل فقط انساقوا خلف الحدث الرائج. لم تخل صفحات المصريين من كوميكسات وصور ومنشورات تعليقاً على أسعار الجنيه والدولار، وما حدث خلال الأيام الماضية من صعود للعملات الصعبة، نتيجة الظروف العالمية، دون أن يدرك هؤلاء الصورة الكاملة للمشهد وأبعاد القضية، والأسباب الحقيقية خلف القصة، لكنهم انجرفوا لموقف القطيع الذي تبنى السخرية والشكوى، دون أن يعتمد على حقائق تخاطب العقل والمنطق. ارتفع سعر رغيف الخبز الحر خلال الفترة الماضية، بمنطق "عقلية القطيع"، فكل صاحب مخبز وجد من حوله يرفعون الأسعار، فلماذا يظل وحده.. لذلك فوجئنا بالجميع يرفعون السعر في وقت واحد، وكأنهم اتفقوا على هذا الإجراء، وهذه من وجهة نظري كارثة، فالكل يستغل الظروف والأحداث ليحقق مكاسب، والفاعل "مجهول"، بعدما تبنى الجميع رأى واحد، واتفقوا على ضرورة رفع الأسعار من أجل رفع الأسعار. بالأمس رفع صاحب عربة الفول، التي أتعامل معها، والموجودة في شارع الأحرار بالدقي، سعر السندوتش من 2.5 إلى 3 جنيهات، بواقع 20% زيادة عن الأسعار القديمة، دون أسباب حقيقية، إلا أنه سمع أن قيمة الجنيه قد انخفضت، لذلك عليه أن يعوض خسائره برفع الأسعار، مع العلم أن الفول لم تتغير أسعاره أو العيش أو مكونات إنتاج السندوتش، وحتى لو افترضنا أنها تغيرت قليلا، فإن سعر الدولار الجمركي تحرك في هوامش بسيطة جداً وتم تحديد سعره عند 16 جنيها فقط، حتى لا تتأثر أسعار السلع الأساسية. كل ما سبق يقودنا إلى نتيجة واحدة وهي أن الشحن المجتمعي، وقوى التأثير النفسي التي تملأ الفضاء الإلكترونى، باتت تسيطر على حديث الناس، وتشغل تفكيرهم، وتحرك دوافعهم وسلوكياتهم، فالحالة أو التريند ما هي إلا جزء من سلوك القطيع، الذي يفرض نفسه على المجتمع حتى لو كان خاطئا أو يقود إلى نتائج عكسية وسلبية، لذلك يظل السلاح الوحيد للمواجهة هو الوعي.



الاكثر مشاهده

"لمار" تصدر منتجاتها الى 28 دولة

شركة » كود للتطوير» تطرح «North Code» أول مشروعاتها في الساحل الشمالى باستثمارات 2 مليار جنيه

الرئيس السيسى يهنئ نادى الزمالك على كأس الكونفدرالية.. ويؤكد: أداء مميز وجهود رائعة

رئيس وزراء اليونان يستقبل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

;