أحمد زكى والعندليب.. حلم واحد

الأسبوع الأخير من شهر مارس مرتبط بذكرى رحيل عملاقين فى عالم الفن، هما "العندليب الأسمر" عبد الحليم حافظ و"الفتى الأسمر" أحمد زكي، فالأول رحل عنا فى "30 مارس"، والثانى رحل في"27 مارس"، والاثنان فى غنى عن التعريف وسط عالم الشهرة والنجومية، فهما أثروا الحياة الفنية بأعمال خالدة فى الوجدان تتحدث عنهما حتى وقتنا هذا وستظل نقطة بارزة فى التاريخ حتى منتهاه. اليوم تمر الذكرى الـ17 لرحيل أحمد زكى الذى نال العديد من الألقاب طوال مسيرته الفنية أبرزها العبقرى وزعيم مدرسة التقمص والنمر الأسود، بينما تمر بعد 3 أيام الذكرى الخامسة والأربعين لرحيل العندليب الأسمر الذى مازال يعيش بيننا بأغانيه المعبرة عن حياتنا العاطفية والوطنية. من المصادفات أن ذكرى النجم الأسمر تأتى سنويا متزامنة مع ذكرى العندليب الأسمر شريكه فى آلام المرض واليتم المبكر وحتى الإنتماء لبلد واحدة وهى محافظة الشرقية، فقد رحل جسد زكى وحليم وبقيت أعمالهما الفنية خالدة معبرة عن أحلام أبداً لا تموت، فقد مضى الاثنان.. وجهين العملة الواحدة.. كل منهما متمزقا.. حالما.. قلقا فى رحلته وكأنه يبحث عن حقيقة ما يحاول أن يدركها، فكان قدرهما أن يسبحا طوال الرحلة فى تيار القلق. أحمد زكى وحليم عاشا حياة مليئة بالإبداع واستطاعا أن يتركوا بصمة فى قلوب الملايين، تشابها فى أشياء كثيرة، منذ ميلادهما وحتى يوم وفاتهما، فالاثنان عاشا قصة كفاح مريرة، سارا فى طريق مليء بالأشواك والدموع، لكنهما رغم الصعوبات والعراقيل التى وقفت فى طريقهما أصرا على أن يصلا إلى كل ما أرادوه، ومشوا على خطوات ثابتة قادتهم إلى كل هذا النجاح. أحمد زكى كان يلتقى فى رحلته بكل شيء وبكل نقيض، مما ساعده دائما على تقمص كل الأدوار، حتى أن النقاد الفنيين كانوا يقولون عنه: إنه يكاد يكون قد تقمص البلاد وتقمصته أيضا البلاد، فقد كان يدخل من بوابة الكوميديا مرة فينجح، ويدخل عشرات المرات من بوابة التراجيديا فيشعر الجميع أنه واحد منهم..له نفس ملامحهم، من طين الأرض التى تضمهم من قلب مجتمعهم. أحمد زكى استطاع بسمار بشرته وملامحه الجادة المرتسم عليها قصة كفاحه وعنائه، أن يكسر نموذج البطل شديد الوسامة، عانى كثيراً لكن بصبره وعزيمته وصل إلى ما أراد وحقق النجاح الذى طالما تمناه، وأصبح من عمالقة الفنانين بعد أن استطاع التعبير عن الكثير من الناس، الذين وجدوا فيه ضالتهم، فكان قادر على إقناعهم فى كل دور يؤديه، رغم اختلاف الدور وصفات الشخصية، يعرف جيداً كيف يستغل تعبيرات وجهه ليوصل ما يريد للجمهور، واستطاع أن يتقمص جميع الشخصيات ببراعة ويندمج معها، لينسى الجمهور أحمد زكى ويتفاعل مع الشخصية التى يؤديها، لدرجة أنه لم يكن يستطيع أن يخرج من تقمصه للشخصية حتى بعد انتهاء العمل، فقد أضحكنا وأبكانا. وكذلك العندليب الأسمر الذى كان، ولم يزل، رأس الرمح للأغنية العربية.. المهاجم والمغامر والرفيق لكل قصص الحب والعشق العربية، بل والمنادى بحرية وعزة وكرامة الأوطان العربية، فعبدالحليم أصبح رمزاً خالداً للشخصية العربية، بل أنه كان صوتاً للحب وصوتاً للحرية. حليم كان مخلص لفنه ومتفانى فيه وهذه هى مقومات النجاح الأساسية، واستطاع بشخصيته المحبة ونفسه الطيبة أن يكون أكثر جاذبية، أحب الحياة والناس فبادلوه نفس الحب، وكما أثرت شخصيته على علاقته بالناس أثرت أيضاً على ما يقدمه من فن، وأصبحت أغنياته علامة مميزة فى الفن على مستوى الأغنية المصرية والعربية، وأيضاً أفلامه لا يمل الجمهور من مشاهدتها لأن الناس وجدوا فيه أنفسهم وحكاياتهم. كما كان حليم من أذكى المطربين، يتمتع بصفات كثيرة، على المستوى الشخصى والفني، لم يحدد نفسه فى إطار معين، وهذا هو سر نجاحه، فقد برع فى التعامل مع كل أشكال الغناء، تمتع بصوت مذهل وكان يختار الكلمات والألحان والأفلام بعناية، كون جمهوره بحبه لهم لذا يظل عبد الحليم حتى هذه اللحظة يعيش بداخل كل فرد. من أشهر حكاوى الاثنان معاً ما قاله أحمد زكى فى أحد الحوارات الصحفية عن أول لقاء جمعه بالعندليب، فيحكى الفتى الأسمر: كنت فى غرفتى فى المسرح أثناء مشاركتى بمسرحية «مدرسة المشاغبين» فسمعت دقات على الباب فسألت بصوت عالٍ: مين؟..فأجابنى شخصًا من بالخارج: "أنا عبد الحليم حافظ... افتح".. فرديت: امش يا سعيد يا نصاب، فقد كنت معتادا على مقالب كثيرة من سعيد صالح وعادل إمام، ومن هنا توقعت أن يكون هذا مقلبا من مقالبهم، خاصة أن عبد الحليم حضر فى وقت سابق عرض المسرحية بصحبة أمير عربي، وبعد انتهاء العرض قام بزيارة كل النجوم فى غرفهم، إلا أنا فغضبت يومها وبكيت، وعلم بما حدث فعاتب نفسه بإحساس الفنان الجميل، وأصر على أن يحضر بنفسه ليزورنى ليعتذر لي". وكانت مشاهد التشاب فى حياة الاثنان كثيرة، لكن جاء أبرزها على الإطلاق علاقاتهما الوطيدة بالفنانة الراحلة سعاد حسنى "السندريللا"، حيث كان من المعروف للجميع أن حليم يرتبط معها بقصة حب وأشيع فيما بعد أنهما تزوجا فى السر، وتدور الأيام وتتردد إشاعات عن علاقة حب بين السندريللا وأحمد زكى بسبب كثرة أعمالهما الفنية معاً فى أفلام عديدة أبرزها "شفيقة ومتولي" و"الراعى والنساء"، ومسلسل "هو وهي"، لكن الفتى الأسمر نفى وقتها وجود أى علاقة غير الصداقة مع الفنانة الراحلة. إذن نفس الحلم كان رفيق أحمد زكى وعبدالحليم فى حياتهما ورحلتهما الفنية، والخلود كان نصيب فنهما الذى كان يصطرع بهذا القلق فى عالم لم يسكنه غيرهما ولم يهدأ لهما فيه بال، ونتذكرهما اليوم لنؤكد البعد الأسطورى الذى اتسمت شخصياتهما به، والحث الإنسانى فى تعاملاتهم مع جماهيرهم ، حتى استطاعا أن يروِّضا التناقضات فى مجتمع يزخر بها ، ويتحوَّلا بديناميكية خارقة فى العمل ، من ممثل ومطرب إلى رمز لشارع خرج من رحمه وتوحد مع جراح ناسه المشتتين على هامش الوطن حيث اتخذا صفهما منذ البداية وبلورا هويتهما وتاريخهما الخاص.



الاكثر مشاهده

"لمار" تصدر منتجاتها الى 28 دولة

شركة » كود للتطوير» تطرح «North Code» أول مشروعاتها في الساحل الشمالى باستثمارات 2 مليار جنيه

الرئيس السيسى يهنئ نادى الزمالك على كأس الكونفدرالية.. ويؤكد: أداء مميز وجهود رائعة

رئيس وزراء اليونان يستقبل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

;