متى تنتهي الحرب الروسية الأوكرانية؟ ولماذا لم تدخل موسكو العاصمة الأوكرانية كييف حتى الآن؟ رغم مرور أكثر من شهر في عمر هذه الحرب، وقدرة روسيا الفنية والعسكرية على تنفيذ هذه المهمة، إلا أن الإجابة تتوقف على سؤال آخر.. هل بالفعل يحتاج بوتين دخول العاصمة الأوكرانية في الوقت الراهن؟ وهل هناك مكاسب من هذا الإجراء؟ الإجابة من وجهة نظري لا، خاصة مع وجود أعداد كبيرة من المدنيين والمرتزقة في كييف إلى جانب الوحدات المسلحة في الجيش الأوكراني، التي تركت مواقعها طيلة أيام الحرب، وتحصنت بالعاصمة استعدادا للمعركة الأخيرة.
روسيا على علم كامل أن كييف مصيدة كبيرة لجنودها، ستورطها في مذابح دموية وعمليات تخريب وتدمير واسعة لا ترغب التورط فيها، بالإضافة إلى الهجوم الإعلامي الغربي المتوقع الذي سيحشد العالم ضد جرائم الإبادة والقتل الجماعي، لذلك أظن أن موسكو جمدت خطة إسقاط العاصمة الأوكرانية، واعتبرتها ورقة ضغط أخيرة على طاولة المفاوضات، التي من المرجح أن تبدأ خلال الفترة المقبلة، في ظل المعاناة التي تعيشها بعض الدول الأوروبية من نقص لمصادر الطاقة، وخلل في سلاسل إمداد السلع الأساسية، إلى جانب مقصلة التضخم التي اجتاحت العالم أجمع.
أظن أن روسيا اكتفت بحصار الطرق الرئيسية والمحاور، والمطارات المؤدية للعاصمة كييف، بالإضافة إلى الموانئ الاستراتيجية على بحر أزوف والبحر الأسود، ومناطق النفوذ ومخازن الوقود، بالإضافة إلى مدن الشرق الأوكراني، وبهذا الإجراء ستعزل العاصمة بصورة كاملة، وتضعها تحت ضغط مستمر من نقص الإمداد، وتتركها فريسة للضمور الاقتصادي والسياسي أيضاً، فكلما طال أمد الحرب كلما فقدت أخبارها بريقها وأهميتها.
الأرقام والبيانات التي يتم تصديرها عن الحرب الروسية الأوكرانية لا تخضع لتقديرات منطقية أو حسابات دقيقة، وقد خرج المستشار الألماني أولاف شولتس، ليؤكد أن موسكو فقدت 10 آلاف جندي خلال الحرب، وهذا رقم كبير جداً، ولو افترضنا صحته، سيسقط من الجانب الأوكراني 5 أضعاف هذا العدد على الأقل، أي حوالي ربع القوات العاملة في الجيش الأوكراني، الذي تقدر قواته النظامية بحوالي 200 ألف جندي.
الواقع يقول إن القوات الأوكرانية فقط تتلقى الضربات وتحتمى بالملاجئ، في ظل ضربات عسكرية غير مباشرة من الطيران الروسي، والصواريخ التكتيكية الدقيقة، ولا توجد مواجهات مباشرة أو حرب تقليدية الغلبة فيها لعناصر المشاة والوحدات المدرعة، فتلك الأخيرة تتقدم في هدوء أو تعسكر في أماكنها دون قتال يذكر أو مواجهات عنيفة، خاصة أن الجيش الأوكراني كما ذكرت سابقا سحب أغلب وحداته القتالية للدفاع عن العاصمة.
أتصور أن الحرب الروسية الأوكرانية سوف تستمر تداعياتها السلبية على العالم أجمع مالم يتم التدخل من القوى الكبرى للوصول إلى حلول واضحة، ودون ذلك لا يمكن حسم نتائج هذه الحرب أو التوقع بمستقبل العالم، خاصة أن روسيا كانت تستعد لهذه المواجهة منذ عدة سنوات، وليس صحيحاً أنها سوف ترفع الراية نتيجة الضغوط الاقتصادية، فالعكس صحيح، خاصة أن المواطن الروسي يرى أن خروج الشركات الأجنبية من بلاده فرصة حقيقية لدعم الصناعة والاعتماد على الشركات الوطنية.