سنوات قليلة ويتوجه الناس إلى معامل تحاليل جينية قبل الزواج لإجراء تحاليل تحدد ما إذا كان الشخصان قابلين للزواج والاستمرار أم أن هناك حوائل دون زواجهما، أو أن الزواج قد ينتج عنه مواليد يحملون جينات يمكن أن تنتج أطفالا حاملين لأمراض وراثية، ويمكن بشكل استباقى توقع احتمالات ظهور أطفال مشوهين أو حاملين لأمراض خطيرة، وخلال سنوات سوف تنتشر معامل التحاليل الجينية مثلما هو الحال مع معامل التحاليل التقليدية، وهناك بالفعل أنواع من المعامل تقوم بهذه المهام، بحثا عن أمراض وراثية، ويمكن أيضا من خلال تقنية «كريسبر» تعديل الجينات لتصحيح طفرة جينية مسببة للأمراض فى الأجنة البشرية، ما يعنى وجود قدرة على التدخل بشكل استباقى لتغيير أو إزالة جينات يمكن أن تسبب مرضا فى المستقبل للطفل المحتمل.
وحاليا هناك استخدامات للهندسة الوراثية والجينوم فى نفى أو إثبات الأنساب أو التعرف على شخصية متوفى تحللت جثته من خلال مقارنتها بالـ«دى إن إيه» لأقاربه، وتحاليل ما قبل الزواج وغيرها وهى خطوات يتيحها التقدم فى أبحاث الجينات والوراثة خاصة مع الإعلان عن اكتمال خريطة الجينوم البشرى التى ترسم خريطة كاملة يمكن مقارنتها بالتفاصيل الخاصة بالشخص الهادف إلى التعرف عما يمكن أن يصيبه فى المستقبل، وفى حالة عمل رسم للخريطة الجينية سوف تكون هناك خريطة مرجعية للجينات يمكن مقارنة التحليل بها للكشف عن مرض أو عيب، وفى مرحلة تالية يمكن التدخل للقص والتعديل بشكل يمثل نوعا من الوقاية.
تقنية «كريسبر» الجينية حسب وصف بروس كونكلين - عالم الوراثة فى معاهد جلادستون - «تقلب كل شىء رأسا على عقب»، وهى مفيدة وتحمل الكثير من العناصر الإيجابية لكنها أيضا تحمل الكثير من المخاوف، مثل كل خطوة علمية، فالطاقة النووية تولد الكهرباء لكنها فى حال تحويلها إلى قنبلة ترسم كابوسا لفناء البشر، نفس الأمر فى تقنية كريسبر- كاس 9 «المقص الجينى» التى يمكن توظيفها فى تدخلات لتعديل جينات الأطفال بشكل تعسفى أو لأهداف حربية.
وهناك حالات تم فيها ضبط حالات تلاعب جينى، وفى 2019 قضت محكمة صينية بالسجن 3 سنوات وغرامة كبيرة على عالم الأحياء الصينى «هى جيانكوى» الذى عدل فى جينات طفلتين توأم خلال مرحلة الأجنة، وكان قد تم القبض على هى جيانكوى وأحيل للمحاكمة واعترف بأنه استخدم تكنولوجيا تعديل الجينات المعروفة باسم كريسبر- كاس 9 لتغيير جينات طفلتين توأم سميتا لولو ونانا، ولدتا عن طريق التلقيح داخل المختبر قبل أن تتم زراعتهما داخل رحم الأم، ما أثار رد فعل غاضبا فى الصين والعالم بشأن أخلاقيات أبحاثه وعمله، وأصبحت «لولو ونانا» أول طفلتين معدلتين وراثيا فى العالم.
ورغم وجود دعوات الحظر على التعديل الوراثى، فقد أعلن العالم الروسى دينيس ريبريكوف، الباحث فى الجامعة الطبية للأبحاث الوطنية الروسية، قبل ثلاثة أعوام، عن محاولة لعلاج الصمم الوراثى عبر تعديل جينى للجنين، كما قال إنه يسعى لإجراء تعديلات فى الأجنة بشكل يجعل الأطفال المولودين أكثر قدرة على مقاومة الإيدز وأمراض فيروسية أخرى.
ورغم سمو هدف بعض الباحثين والعلماء العاملين فى التعديل الجينى، لا تزال هناك اعتراضات ومخاوف ومطالب بطرحها لنقاش يتجاوز رجال الدين والعلماء إلى المجتمع نفسه، خوفا من أن تتحول عملية التعديل الجينى إلى طريق لإنتاج بشر يحملون صفات بدنية أو عقلية خارقة يمكن أن يتحولوا إلى خطر أو يتم استخدامهم بشكل غير مشروع من قبل تجار الحروب.
ورغم أن التعديل فى المواد الوراثية البشرية، ما زال محظورا فى كثير من الدول الأوروبية، لكن الخوف من أن يتم تطبيقه واستخدامه بعيدا عن الأعين، ما قد ينتج خطرا أو كابوسا فى كائنات يصعب التحكم فيها أو السيطرة عليها مثلما يبدو فى أفلام السينما أو خيالات قد تصبح حقيقة.