إدارة العمل ومعدلات الإنتاج في رمضان، والتعامل مع قضية الصيام أمر يحتاج إلى الكثير من الوعي والتثقيف، فمع بداية الشهر الكريم، تنقلب عادات الأسرة المصرية رأساً على عقب، معدلات سهر عالية جداً، فأغلب الناس لا ينامون إلا قبل أذان الفجر، بالإضافة إلى أكبر معدلات إجازات سنوية، فالبعض يدخرها لأيام رمضان، ليحصل عليها دفعة واحدة، بل إن المحال التجارية وأصحاب الحرف، تظل أبوابهم مغلقة حتى العاشرة، ربما الحادية عشرة صباحاً، تحت دعوى الصيام والإجهاد في نهار رمضان.
تلجأ العديد من المؤسسات الحكومية والخاصة إلى تقليل ساعات العمل، والتجاوز أحيانا عن ضوابط الحضور والانصراف تسليماً لمنطق الظروف والصيام والرأفة، إلا أن الجميع لا يتذكر أن الأمة الإسلامية حققت أكبر انتصاراتها في رمضان، فقد كانت غزوة بدر في يوم 17 رمضان، وفتح مكة في 20 رمضان، ومعركة عين جالوت 25 رمضان، وعشرات المعارك الأخرى التي يرصدها التاريخ في هذا الشهر الكريم، بل إن أعظم انتصار تحقق في العصر الحديث، كان حرب العاشر من رمضان، أكتوبر عام 1973، الذى عادت فيه سيناء إلى أرض مصر مرة أخرى، لذلك فإن رمضان ليس مجرد شهر للعمل العادي أو الروتيني، بل شهر اجتهاد وسعى، وعمل جاد.
ليس منطقياً أن نسهر الليل في رمضان حتى الساعات الأولى من الصباح، ونصلى الفجر ثم ننام، حتى أذان العصر، فهذا جانب يجب أن تتصدى له الفتاوى، ويجتهد له المفسرون والعلماء، فلا يمكن أن نجعل من هذا الشهر تكأة للكسل والتراخي، ثم نتحدث عن ضيق الرزق، وفقر الحال، وتراجع الإنتاج، والغلاء، وكل المظاهر السلبية التي نسمعها ونراها بصورة يومية، لذلك لا يجب أن يتحول رمضان إلى شهر النيام، بدلا من شهر الصيام.
نحن في حاجة إلى مراجعة عادات رمضان، وإن كانت تحمل نوعاً من المشقة والتعب، لكنها ليست مبرراً للكسل والركون، فأفضل ما جاء عن الرسول الكريم محمد صلي الله عليه وسلم في هذا الشأن أنه كان يكثر العمل في الصيام ويحب أن يرفع عمله وهو صائم، وهذه دعوة مفتوحة إلى الاجتهاد والسعي، والمسارعة في طلب الرزق، لا للنوم نهاراً واليقظة ليلاً، فالدول التي تنشد التنمية وتسعى لبناء مستقبلها، وتبحث عن سيادتها، يجب أن تعمل وتدفع مواطنيها نحو ثقافة الإنتاج، فهذه اللغة الوحيدة التي يعترف بها العالم.
لا يجب أن تكون هناك استثناءات في رمضان من أي نوع في كل ما له علاقة بالعمل، ومواعيد الحضور والانصراف، ومستهدفات الإنتاج، التي من غير المقبول أن تتراجع بنسب محدودة أو معتبرة، بل بالعكس مفترض أن تزيد، فالوقت قيمته أعظم وأعمق خلال شهر رمضان، خاصة أن الأوقات البينية التي كانت تضيع في فترات الراحة، ومواعيد تناول الطعام المعتادة غير موجودة، لذلك يجب أن ترتفع معدلات الإنجاز عن التوقيتات العادية، وعلينا أن نحرص على ذلك من باب استحباب العمل في الصيام، الذي يهذب النفس والسلوك، ويدفعنا نحو الإتقان والإخلاص.