بعد الإعلان عن نجاح العلماء فى فك شيفرات خريطة الجينوم البشرى، يكن العلم قطع مسافة واسعة فى مجالات الطب والعلم ضمن ثورة علمية بدأت منذ 32 عاما، فى الولايات المتحدة ودول أخرى، حيث تم الإعلان عن اكتمال خريطة الجينوم البشرى، لتمثل أول مرجعية لتركيبة جينات البشر، بما يساعد فى فهم أفضل للجسم البشرى والطفرات والتحورات المسببة للأمراض بل والتدخل لإصلاح الجينات أو إزالة الجينات المسببة للأمراض، من خلال تقنية التعامل مع بويضات يتم تلقيحها خارج الرحم، وانتقاء السليمة منها، وإعادة زرعها.
فى عام 2012، صك العلماء مصطلح «كريسبر»، ومنذ ظهرت هذه التقنية أثارت اهتمام الباحثين الذين يأملون فى تعديل جينات البشر بغرض القضاء على الأمراض، وإكساب النباتات قوة تحمل، والتخلص من مسببات الأمراض، وغيرها من الأهداف، يصف بروس كونكلين -عالم الوراثة فى معاهد جلادستون فى سان فرانسيسكو، بكاليفورنيا الأمريكية - تأثير تقنية كريسبر قائلًا: «إنها تقلب كل شىء، رأسًا على عقب».
فى عام 2017 تمكن العلماء من الحصول على طريقة فعالة لاستخدام أداة تعديل الجينات لتصحيح طفرة جينية مسببة للأمراض فى الأجنة البشرية ووقفها من الانتقال إلى الأجيال التالية، حيث تم الإعلان عن أسلوب جديد أداة تحرير الجينات كريسبر «CRISPR» لاستهداف طفرة فى الحمض النووى «DNA» تسبب ضعف عضلة القلب التضخمى، وهو مرض جينى يسبب الموت المفاجئ لعضلة القلب.
وأظهر البحث الذى نشر فى مجلة نيتشر، Nature، طريقة جديدة لإصلاح الطفرات المسببة للأمراض ومنعها من الانتقال بالوراثة. وأعلن شوخرات ميتاليبوف، مدير مركز الخلايا الجنينية والعلاج الجينى فى جامعة أوهسو: «يمكن تقليل عبء المرض الوراثى على الأسرة وفى النهاية على جميع البشرية».
وفى أكتوبر 2020، منحت جائزة نوبل فى الكيمياء للبروفيسور إيمانويل شاربنتييه، مديرة وحدة ماكس بلانك لعلوم مسببات الأمراض، فى برلين، ألمانيا، والبروفيسور جينيفر دودنا، من جامعة كاليفورنيا، بيركيلى، الولايات المتحدة الأمريكية «لتطوير طريقة للتحرير الجينى»، حيث إن اكتشافهما لتقنية كريسبر- كاس9 «المقص الجينى» وهى تقنية تمثل ثورات فى الزراعة والطب، وحتى علاج بعض الأمراض الوراثية مثل داء هنتنغجون والتليف الكيسى وبعض أنواع السرطانات.
لكن وفقًا لاعتراف الباحثتين ذاتيهما، تثير هذه التقنية أيضًا مسائل معقدة فيما يخص الناحية الأخلاقية والسياسية والبراءات، وهى أمور تخضع لمناقشات وجدل متواصل، لأن التوصل إلى تقنية التعديل والقص واللصق للجينات، تثير الجدل بين بعض العلماء ورجال الدين والفكر، لوجود مخاوف من التوظيف السيئ للتقنية العلمية، وهناك بعض البلدان قد وقعت اتفاقية تحظر أبحاثا، خوفا من توظيفها لخلق «الأطفال المخلقين أو المصممين»، ومخاوف من استخدام هذه التقنيات فى أغراض شريرة، وهو ما يعيد البشر إلى مخاوف ظهرت فى السينما أولا، من خلال إنتاج بشر خارقين، أو وحوش على طريقة فرانكشتين، حيث يحاول بعض العلماء الأشرار باستخدام العلم إنتاج بشر يمكن التحكم فى مواصفاتهم وتوجيههم لاستخدامات غير مشروعة.
لكن هذه المخاوف لم تمنع العلماء من السير فى طريق تطوير التقنيات التى تتعلق بالتدخل لمنع انتقال أمراض وراثية بين الأجيال أو علاج أمراض خطيرة، مثل السرطان أو الزهايمر، أو أمراض القلب، وحتى مواجهة الفيروسات الخطرة، بعلاجات يتم إنتاجها جينيا، ويرد العلماء بأن العلم هدفه الأساسى إنقاذ البشر وإسعادهم وإزالة العيوب وعلاج الأمراض، وأن الخوف من التوظيف الشرير، لن يمنع الشر، لكن يمكن محاصرة هؤلاء بقوانين صارمة، والمضى نحو أبحاث تفتح الباب لإنهاء الأمراض الموروثة، ومواجهة أمراض خطيرة، لا يمكن معالجتها من دون تقنية الجينوم والمقص الوراثى.