بالرغم من أن الإعلان عنها تم فى أول إبريل، لكنه كان - حقيقة - خبر الموسم، واختراقا علميا تنتظره البشرية، وسوف يؤثر خلال سنوات على الكثير من التطورات الطبية والعلمية، ويسهم فى فك الكثير من الأمراض الوراثية والمناعية والأورام، وقد يحول بعض الخيالات السينمائية إلى واقع، من حيث التحكم فى نوع الجنين وحالته الصحية.
الخبر هو نجاح علماء فى فك شيفرات خريطة الجينوم البشرى، والذى بدأ العمل فيه عام 1990، قبل 32 عاما، فى الولايات المتحدة، كمشروع مشترك بين وزارة الطاقة الأمريكية، والمعاهد الوطنية للصحة، كان مخططا له أن يستغرق 15 عاما، لكن التطورات التكنولوجية سرعت العمل به، وانتهى الجزء الأكبر قبل موعده بسنوات، وتم إعلان الانتهاء من الجزء الأكبر عام 2003، واليوم تم إعلان اكتمال خريطة الجينوم البشرى، لتمثل أول مرجعية لتركيبة جينات البشر، ونشر أول خريطة كاملة له، توفر نظرة شاملة للحمض النووى الخاص بالبشر، بما يساعد فى فهم أفضل للجسم البشرى والطفرات والتحورات المسببة للأمراض والتنوع الجينى بين 7.9 مليار إنسان على كوكب الأرض.
يهدف مشروع الجينوم للتعرف التعرف على الجينات التى يحتوى عليها الـ«دى إن إيه» DNA البشرى، وعددها 100.000 جين تقريبا، وتحديد متوالية القواعد الكيميائية لـDNA البشرى، وعـددها 3 مليارات قاعدة، مع تخزين هذه المعلومات على قواعد للبيانات، وتطوير الأدوات اللازمة لتحليل البيانات.
فى عام 2003 عندما تم إعلان التسلسل الكامل لخريطة الجينوم البشرى، بقيت نسبة بين 8 و15% من الخريطة غير مكتملة، لأنها تتكون من أجزاء شديدة التكرار من الحمض النووى، وهو ما أعلنت مجموعة علماء مؤخرا حله، ونشر فى دورية «ساينس العلمية».
واعتبر إريك جرين، مدير معهد أبحاث الجينوم البشرى، أن إيجاد تسلسل كامل للجينوم البشرى يمثل إنجازا علميا مذهلا، ويوفر أول نظرة شاملة لمخطط الحمض النووى الخاص بالبشر، تمهد لفهم الفروق الوظيفية الدقيقة للجينوم البشرى والتى بدورها ستمكّن من الدراسات الجينية للأمراض البشرية.
يتيح الجينوم البشرى تطوير أدوية جديدة، ضمن ما يسمى «الطب الشخصى»، على اعتبار أن استجابة الأشخاص للأدوية تتم بصورة مختلفة من شخص لآخر، ما يجعل الدواء بجرعات وتركيبات محددة، موجها لكل فرد بشكل يختلف عن بقية الأشخاص، وهو ما يقلل الأعراض الجانبية لدى الشخص حسب تركيبته، وهناك بالفعل استجابات مختلفة، ظهرت مع فيروس كورونا، حيث كانت العدوى شديدة لدى شخص، وبسيطة لدى آخر فى المكان ذاته، أو أن مريضا يموت بأزمة قلبية، وهو يلتزم عادات صحية، بينما جاره لا يلتزم صحيا ولا رياضيا ويواصل حياته ويدخن ويعيش أطول، الإجابة فى الجينوم البشرى.
اللافت للنظر فى الجينوم أن 99.9% من متتاليات الـDNA متشابهة فى جميع البشر، والفارق لا يزيد على 0.1%، وهذا الفرق هو الذى يفسر اختلاف الاستجابات للأدوية والقابلية للإصابة بالأمراض، والتفاعل مع العدوى وشدتها، وهو ما رأيناه بوضوح وما نزال فى فيروس «كوفيد - 19»، وغيره من الأمراض.
ويمنح مشروع الجينوم أملا للعلماء فى معرفة بعض الأمراض الوراثية، وكيفية نشأة بعض الأمراض مثل السرطان والزهايمر، ويأملون فى التوصل إلى علاج لها، ولأمراض أخرى مثل السكر والإيدز، والسرطان، وأنفلونزا الخنازير، والطيور، والخيول، وكوفيد، وتوابعها، وغيرها من الفيروسات والأمراض الوراثية، بل إن الجينوم يمكن العلماء فى الوقت الحالى من تحديد الصلات العائلية، والقرابة بل واكتشاف بعض الأمراض الوراثية فى الأجنة ومعالجة بعضها بشكل استباقى، وهى أمور لم تكن متاحة فى السابق، ليمثل خطوة واسعة نحو ثورة علمية وطبية، تغير شكل المستقبل.