عهدى صادق واحد من كبار المبدعين وأبطال الفن، والبطولة تختلف عن النجومية، يعيش أصحابها طويلا، بينما النجومية يعيش أصحابها تحت الأضواء، عهدى صادق لم يكن من نجوم الصف الأول لكن كل دور قدمه علامة تعيش وحدها وتبقى، حتى بمعزل عن العمل نفسه، وهو أمر تتيحه التقنية الجديدة، حيث يمكن أن نستعيد المشهد وحده ويكون مكتملا وقويا.
عهدى صادق الذى رحل عن عالمنا قبل أيام ترك بصماته على كل عمل قدمه، وقد عمل منذ السبعينات، لكنه اشتهر ولمع بدوره فى ليالى الحلمية «النص»، وقد كون مع «بسة» أو الفنان محمد متولى ثنائيا لا ينسى، لأنهما جسدا رحلة صعود تختصر كل تفاصيل الحياة بمراحلها التى قدمها ليالى الحلمية بمواسمه المتتالية، والتى قدمت تاريخا اجتماعيا لمصر على مدى نصف قرن، قبل ليالى الحلمية، لكن العمل كشف عن موهبة طاغية وقدرة على التجسيد للأدوار المركبة والمعقدة التى تبقى فى ذاكرة الأجيال.
شخصيًا عرفت عهدى صادق منذ سنوات، لمست فيه الزهد والاكتفاء بالذات، مع إنسانية وحب وثقافة واطلاع، كل هذا تعرفه رغم كلماته القليلة، لكنى كنت دومًا أشعر بامتنان لفنان قدير يعرف قيمة نفسه ولا يزاحم، فهو شخص رائع وموهوب يعيش الفن والحياة، ومثقف يعرف القاهرة، وكما وصفه الصديق الشاعر إبراهيم داود «القاهرة التى يعرفها ويعرف دهاليزها ودهاليز ليلها عز المعرفة.. موهبته الكبيرة حمته من أمراض النجومية، تشعر وأنت تمشى معه فى الحوارى أنه على معرفة شخصية مع الشعب كله، شخصيا اقتربت وتواصلت معه على فترات والتقينا وأشعر بالفخر أننى تعرفت على فنان عظيم.
المعلن أن عهدى صادق ولد عام 1950، لكن إبراهيم داود يقول إنه ولد قبل ذلك بخمس سنوات، تخرج فى المعهد العالى للفنون المسرحية، بدأ حياته الفنية فى أوائل السبعينات، وبرغم أنه لم ينل بطولة مطلقة لكنه أجاد أداء الأدوار الصعبة التى تبقى فى الذاكرة، أدواره فى «ليالى الحلمية» 1987، بأجزائها، التى استمرت فى التسعينيات، ودوره فى «رأفت الهجان» و«بوابة الحلوانى»، و«أرابيسك» و«حلم الجنوبى»، و«زيزينيا»، و«جحا المصرى»، و«هيمه»، «لهفة»، «هبة رجل الغراب»، «نصيبى وقسمتك»، «الجماعة 2»، وفى السينما عدد من الأفلام، منها المتوحشة والكيف واليوم السادس وشحاذون ونبلاء، وكان دور عم مسعد فى «الفتوة»، أحد أهم أدواره وآخرها، ويومها اتصلت به لأبدى إعجابى بدوره العظيم، ورد علىّ بتواضعه المعهود، وبالفعل كان دوره لافتا وإنسانيا داخل عمل من مسلسلات الحركة.
وتكشف أدواره عن فنان عظيم من سلسال الفنانين الكبار الذين يعيشون طويلا ويتركون بصماتهم فى كل ركن وكل دور، بالقدرة الهائلة على التجسيد، الصوت وطريقة الأداء، التى تغير من مشاعر المتفرج، فهو أيضًا مصرى بنفس القدر يحمل التسامح الشخصى والإنسانى، ويرتاد الموالد وحلقات الذكر، وهو المسيحى الذى لم يعرف كثيرون ديانته قبل رحيله، وهى سمة فى الفنانين المصريين الكبار الأبطال الذين يحملون ملامح مشتركة، ويتركون بصماتهم فى كل مكان يمرون فيه بهدوء ومن دون ضجة.
عهدى صادق رحل تاركًا علامة لدى محبيه وأصدقائه وجمهوره، مثل كبار الفنانين الأبطال الذين حفروا لأنفسهم مساحات من التأثير، وتركوا الكثير من البهجة والمحبة من خلال موهبة يصعب تكرارها، لكنهم يتركون ما يكفى لنعرف أن مصر قادرة دائمًا على تقديم الفن والبهجة.