هناك في جنوب قارة آسيا تخوض دولة إسلامية صديقة معركة للحفاظ على سيادتها من التدخلات الخارجية التي تهدف للعبث بأمن واستقرار هذه الدولة التي تعد الدولة الإسلامية الوحيدة التي تمتلك سلاح نووي، تخوض باكستان معركة شرسة للحفاظ على سيادة وسلامة ووحدة البلاد بعيدا عن أي إملاءات خارجية أو أجندات ترغب فيها أطراف غربية في تنفيذها في البلاد.
سيناريو دراماتيكي يجري في دولة باكستان مع اتهام رئيس وزراء باكستان عمران خان للولايات المتحدة الأمريكية بمحاولة تغيير النظام في البلاد باستخدام المعارضة الموالية للغرب داخل البلاد، ما دفع الولايات المتحدة للرد سريعا على لسان وزارة الخارجية التي نفت ضلوع واشنطن في أي تحرك يهدف لتغيير النظام في إسلام أباد خلال هذه الفترة.
المعركة الإعلامية والكلامية بين عمران خان والولايات المتحدة استمرت لعدة أيام حتى تحدث رئيس الوزراء الباكستاني بشكل مباشر وصريح واتهم مجددا مساعد وزير الخارجية الأمريكي بالتورط في محاولات لتغيير النظام في إسلام أباد، جاء ذلك قبل ساعات من عقد جلسة البرلمان الباكستاني ما أحرج عدد من النواب تلاه إعلان رسمي على لسان نائب رئيس البرلمان الباكستاني بإلغاء جلسة سحب الثقة من رئيس الوزراء عمران خان.
فشل البرلمان الباكستاني في سحب الثقة من عمران خان دفع الأخير إلى اتباع سياسة الهجوم من خلال خطاب شعبي إلى المواطنين الباكستانيين وهو خطاب اتسم بالمصارحة والمكاشفة وطالب خلاله رئيس جمهورية باكستان عارف علوي بضرورة حل البرلمان، وهو ما استجاب له الأخير في الثالث من أبريل الجاري ودعا لانتخابات مبكرة في البلاد خلال 90 يوما من تاريخه.
تنص المادة 69 من الدستور الباكستاني على أن المحاكم لا تتدخل في أي إجراء اتخذ في الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ، ورغم ذلك بإمكان المحكمة الدستورية في البلاد إعادة البرلمان إذا رأت أن خطوة رفض مشروع حجب الثقة عن حكومة عمران خان غير دستورية.
مشكلة الدول الغربية المتكررة خلال العقود الماضية هي محاولة التدخل في الشؤون الداخلية للدول ومحاولة تشكيل محاور إقليمية ودولية لتحقيق أهداف مشتركة، وتعد باكستان أحد أبرز الدول التي لها دور هام ومحوري في آسيا نظرا لموقعها الجيو استراتيجي حيث ترتبط بحدود مباشر مع الهند وأفغانستان والصين وإيران وتشترك في حدود بحرية مع سلطنة عمان، وهو ما يجعله محط أنظار الولايات المتحدة الأمريكية التي تركز في الفترة الأخيرة على التنين الصيني وسط تخوفات من الجانب الأمريكي من التقدم الاقتصادي الرهيب في اقتصاد الصين التي تتطلع لأن تصبح الاقتصاد الأول عالميا.
لاشك أن عمران خان نجح في تجاوز الفخ الذي حاولت المعارضة الباكستانية نصبه له لأن الرجل يتمتع بشعبية واسعة وعريضة داخل باكستان ويمتلك مشروع حقيقي لتوطين الصناعات وخاصة العسكرية وتحقيق اكتفاء ذاتي في السلع الأساسية الاستراتيجية، والتحرك وفق المصلحة الوطنية الباكستانية فقط وعدم الانخراط في محاور لا تكون مفيدة للمصلحة الوطنية للشعب الباكستاني.
التقديرات الحالية تشير إلى إمكانية نجاح عمران خان في الانتخابات المقبلة بفارق كبير عن المعارضة وهو ما يمهد لمشروع زعيم وطني قوي داخل باكستان خلال الفترة المقبلة وهي الفترة التي تحتاج فيها إسلام أباد لمن يعمل فقط من أجل مصلحة الباكستانيين وليس الانخراط في محاور إقليمية ودولية، لكن تبقى التخوفات الكبيرة من إمكانية اغتيال عمران خان تكرارا للسيناريو الذي حدث مع رئيس الوزراء الباكستانية السابقة بي نظير بوتو التي تم اغتيالها بإطلاق النار عليها عام 2007 بعد خروجها من مؤتمر انتخابي.
ما يجري في باكستان ليس ببعيد عن الدول العربية التي تعاني منذ عقود من التدخلات الخارجية التي تهدف لتحقيق أجندة دول غربية بعينها دون النظر أو الالتفات إلى التداعيات الخطيرة التي يمكن أن تحدث جراء التدخلات الخارجية في شؤون دول المنطقة، الفكر الاستعماري التوسعي سواء بشكل مباشر أو عبر وكلاء يجب أن يتم القضاء عليه بشكل كامل وأن تعيش الشعوب في أمن وأمان واستقرار بعيدا عن أي تدخل خارجي.