في الوقت الذي تتحدث فيها الولايات المتحدة الأمريكية ومعها أوروبا عن الصعوبات الاقتصادية التي تواجه روسيا جراء الحرب الأوكرانية، إلا أن الواقع يشير إلى حقيقة واحدة، مفادها أن موسكو حققت أهدافها من الحرب في أوكرانيا، واستطاعت أن تحصل على كل ما تريد وأكثر، فقد تمكنت من احتلال الشرق الأوكراني بما فيه إقليم دونباس والثروات التي يذخر بها، وأهميته الاستراتيجية بالنسبة للحدود الروسية، كما نجحت في دعم العناصر الانفصالية، وتقوية شوكة جمهوريتي دونيتسيك ولوجانيسك، المواليتان لها بشكل كامل.
الوضع على الأرض يشير إلى سيطرة كاملة من جانب روسيا، وقد عزز من ذلك الاستيلاء على الموانئ الهامة والطرق والمحاور الاستراتيجية، وخطوط النقل والسكك الحديدية، والمطارات، الأمر الذي يجعل أوكرانيا تحت طائلة موت اقتصادي وسياسي محتم طويل الأجل، تفقد معه جزء من قوتها يومياً، وهذا سبب وجيه يؤكد أن روسيا لم تعد في حاجة لإحراز أي تقدم جديد بالأراضي الأوكرانية، فقد نجحت في تقسيمها، شرقاً وغرباً، وحتى لو تمت التهدئة وانتهت الحرب سوف تظل هذه المناطق تحت سيطرة الدب الروسي مستقبلاً.
سيناريو تقسيم أوكرانيا يسير بدقة متناهية، بعدما تم تحييد الاتجاهين الشرقي والجنوبي في قبضة موسكو، وباتت هناك وحدات عسكرية برية روسية تحتل هذه المناطق، وتعسكر فيها، وتستعد لأي مواجهة محتملة، في حين أن الجيش الأوكراني أسس خطته على الدفاع عن كييف، لذلك حرك أغلب وحداته في اتجاهها منذ بداية الحرب، فى حين أن الهدف الروسي كان الشرق والجنوب، لذلك لن تستطع وحدات الجيش الأوكراني مغادرة العاصمة، ولن تنجح أيضاً في خطة إعادة الانتشار لمواجهة الجيش الروسي في المناطق التي سيطر عليها.
هل تعاني روسيا من استمرار الحرب كما تروج وسائل الإعلام الغربية؟ بالطبع أي دولة تفرض عليها الحرب ترتيبات خاصة وتحركات بعينها، إلا أن روسيا كدولة تمتلك ثاني أقوى جيش في العالم، لن تتأثر كثيراً بحربها في أوكرانيا، حتى لو استمرت هذه الحرب 50 عاماً مقبلة، خاصة أن موسكو تمتلك سلاحها وتصنعه في بيتها، ولديها قوى بشرية وموارد طبيعية ضخمة، يمكن الاعتماد عليها، بالإضافة إلى كفاءة قواتها وتدريبها المتطور، وترسانة نووية ضخمة لا يعرف أحد حجمها الحقيقى حتى الآن، وتحقق لها قوة الردع لأي عدوان محتمل، الأمر الذي يجعل الحرب في أوكرانيا أشبه بمناورة تدريبية يجريها الجيش الروسي، دون أن تكون هناك تحديات حقيقية، أو مواجهات عنيفة.
البعض يتحدث عن الوضع الاقتصادي في روسيا، اعتماداً على التقارير الإعلامية الغربية، التي غالباً ما تكون مضللة وغير حقيقية، خاصة أن الروبل استعاد قوته مرة أخرى، ونجح في تجاوز عقبات ما بعد الحرب، فبعدما كان يساوى الدولار الواحد 120 روبل في الأيام الأولى للحرب، عاود الصعود مرة أخرى ليصل الدولار إلى 83 روبل فقط، وهذا مستوى ممتاز، فقد كان سعر العملة الأمريكية قبل الحرب 75 روبل، بما يؤكد أن روسيا استعادت حوالي 90% من خسائر عملتها خلال الفترة الماضية، ويشكك في صحة تقارير الإعلام الغربي التى تصور الاقتصاد الروسي كأنه أوشك على الانهيار.