يرتسم الحس الكوميدي الساخر بوضوح مبين في الجزء السادس من مسلسل "الكبير أوي" تأليف مصطفى صقر وإخراج أحمد الجندي، نتلمس التلاقي الساخر بين تفاصيل الحكاية، لا فذلكة ولا ادعاء أو ثرثرة درامية، وكذلك لا حاجة للحديث عن أحمد مكي بطل المسلسل، وتفسير ما يقدمه، كما لو كان متهمًا يحتاج دفاعنا أو زجر وصد هجمة البعض على ما يقدمه باعتبار أنه موضوع جدي.
لا يحتاج مكي شرح لأسلوبه في العمل، فهو واضح ومفهوم، أو التأكيد على أنه فنان غير استحواذي، ليس أنانيًا في مسلكه الفني، بل محتضن ومكتشف للمواهب والأسماء الجديدة، رحمة أحمد فرج في دور (مربوحة) والطفل عبدالرحمن طه في دور (جوني والعترة ) ومصطفى غريب في دور (العترة الكبير) مثالًا، أو معاون وداعم لزملائه سواء القدامى مثل محمد سلام (هجرس) وهشام إسماعيل (فزاع)، أو الجدد مثل بيومي فؤاد (دكتور ربيع) وسماء إبراهيم (الكبيرة عمة الكبير)، يعني بلغة المسرح: "يفرش لهم الإيفيه"، لأن هذا جزء من نجاح مشروعه.
إنما يستلزم الأمر مداخلة بسيطة تزيل الالتباس المتداول في المفاهيم، فإن ما يقدمه أحمد مكي الذي يعود في أدوار (الكبير / جوني / حزلقوم) ويستعرض من خلال "المزاريطة"، قريته الخيالية، العديد من التغيرات الاجتماعية التي حدثت بالفعل في الواقع، إنه هنا "كوميديان" يحاول أن يبتكر أنماطًا جديدة في ساحة الكوميديا، هذه التي تعاني فراغًا أو بالأحرى وهنًا وشحوبًا إلى حد كبير مؤخرًا، ويفعل ذلك من منطلق بسيط يعني فقط بالسخرية والضحك، ربما على طريقة علي الكسار (مع الفارق في التجربتين)، ممثل خفيف الظل، يسخر بذكاء ولطف من كل ما يقع تحت عينيه، أو بطريقة أخرى تشبه سمير غانم الذي أهدى له المسلسل أولى حلقاته: "إهداء إلى من أضحكنا وعلمنا الضحك الأستاذ سمير غانم"، وإن كان أحمد مكي يتعامل مع الفن عمومًا بصياغة تتوافق مع عصره، وهذا أمر بديهي.
هذا أيضًا يتطلب شيئًا من إعادة قراءة المعنى التمثيلي الكوميدي في الدراما المصرية، الموضوع ببساطة في هذا المسلسل أنه يقدم "نكتة" للنفوس المتعطشة إلى متعة حقيقية تقدم لهم الضحك لا أكثر ولا أقل، ومن هذه الزاوية تتسلل الكوميديا جميلة وصادقة، يرافقها التمثيل بحساسية ورهافة وجمالية.. صحيح أن هناك حيرة كبيرة متعلقة بمفهوم الكوميديا وتحولاتها، انطلاقًا من تأثيرات الممثلين في تطور الأداء الكوميدي، وتفعيل جمالياته.
هنا تنفتح الحكاية على تجربة أحمد مكي، ممثل يتقن لعبة المزج بين أداء جسدي، ونبرة صوتية، وحركات قد يراها البعض أحيانًا أنها مُبالغ فيها، لكنها في طبيعتها قائمة على السخرية، ترتكز على التناقضات، والهدف من هذا النوع من الكوميديا هو الترفيه عن الجمهور، وهذا هدف ليس محتقرًا أو سخيفًا، وللإنصاف فإن هذا النوع يحمل في طياته كذلك ملمحًا من النقد الاجتماعي، وهي ملحوظة لمن يريد أن يمنح الأشياء ثقلًا ما.
ثمة ملحوظة أخرى وهي أن الكوميديا العربية شرعت مبدأ إضحاك الممثل جمهوره بحركاته ومواقفه الشكلية ونكاته، يعني استفادت من الأشكال المضحكة لممثليها، أو من براعتهم في إثارة الضحك بحركاتهم وعفويتهم وأدائهم. نعم أغلبها لم يتجاهل الواقع الإنساني، وبالتالي لم يغيب البعد الإنساني، وهذا أمر ضروري لتكوين لغة فنية عميقة في صناعة الكوميديا والضحكة.
على أية حال، إننا أمام مسلسل كما سبق أن أشرت، هو مضحك، لطيف، غير معقد، وهذا جزء من انتشاره وتداول إفيهاته بين فئات مختلفة، لذا التعامل معه بمفهوم مغاير، يصبح كمن يمسك سلك الكهرباء العريان، النتيجة إنه "ح يتكهرب"، ولن يصل إلى شيء، بالمناسبة هذا التشبيه من وحي المسلسل نفسه، أما إن شاهد البعض فيه مبالغة ما، فلا بأس في شيء من المبالغة، قد تكون تعبيرًا عن مأزق حقيقي في مواجهة الفراغ في الحياة الثقافية والفكرية إجمالًا.