أنتمي إلى جيل ولد في سنوات السبعينيات الأولى.. الجيل الذي يقترب بشدة من سن الخمسين.. الجيل الذي تشبع ببطولة رأفت الهجان في أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات.. فتنتنا قدرات الهجان الشخصية وذوبانه في القضية الوطنية وكيف افنى حياته من أجل هذا البلد في مواجهاتنا التاريخية مع إسرائيل.. غير أن أعلام الدولة آنذاك توقف عن إنتاج أعمال درامية لها نفس القوة والتأثير..لا نعلم سببا لهذا ..قضي الأمر ومرت على الجزء الثالث والأخير من رأفت الهجان ثلاثون عاما بالتمام والكمال .. وانعدمت آمالنا ونحن متخصصون في نقد الأعمال الفنية في أن نرى مسلسلا جديدا يصنع (حالة الهجان)مجددا..تلك الحالة التي يتزاوج فيها الشعور بالانتماء الوطني في ذروته والإقبال على المسلسل من حيث هو عمل فني مكتمل الأدوات والجاذبية.
وانهمر علينا الإنتاج الفني الرخيص يروج للعنف والجريمة والانحطاط حتى على الشاشة الرمضانية.. إلى أن جاء مسلسل الاختيار في جزئه الأول قبل عامين .. هزني هذا العمل كما هز الملايين من المحيط إلى الخليج.. والتف الناس يشاهدون كيف أجرم الإخوان الإرهابيون في حق هذا الوطن .. ثم جاء الجزء الثاني ليعزز الحالة ذاتها رمضان الماضي.. حتى جاء الجزء الثالث الذي يعرض في ليالي رمضان الحالية ..الجزء الذي يحكي أحداث سنة حكم الإخوان السوداء وكيف تصدى لها القائد العام للقوات المسلحة وزير الدفاع آنذاك الفريق أول عبد الفتاح السيسي .. وكيف تصاعد إرهاب الإخوان خلال هذه السنة وكيف قامت ثورة 30 يونية المجيدة وساندها السيسي .. وكيف ولدت زعامته التاريخية من رحم هذا الشعب ومن قلب المحنة لتنجو مصر منها .. به ومعه .. حين انتصر السيسي لإرادة الشعب ..وحين وضع الإخوان في مكانهم الصحيح من التاريخ ..كإرهابيين.. كل هذه الخواطر دفعتني منذ الحلقة الأولى.. إلى تأمل الحالة التي يمثلها مسلسل الاختيار في وجدان المصريين والعالم العربي الآن. . فالمسلسل يحكي أحداثا عشناها بالفعل قبل عشر سنوات.. ومن الصعب جدا على أي عمل فني يحكي صفحات من التاريخ أن يجسد تاريخا قريبا لايزال أبطاله موجودين على قيد الحياة والبطل الرئيسي فيه ملء السمع والبصر.. الرئيس عبد الفتاح السيسي.. هذه معادلة فنية صعبة للغاية.. لكن صناع العمل .. النص والإخراج والتمثيل والإنتاج قدموا عملا مبهرا حقا.. ملاصقا للواقع الذي عشناه بل أعطانا تفاصيل عن هذا الواقع لم نكن نعرفها.
فالمسلسل يقوم في جانب أساسي منه على التوثيق بالصوت والصورة بما لا يدع بابا مفتوحا لأي مشككين في صدق ثانية واحدة من المسلسل ..إذن فقد صنع من قاموا على مسلسل الاختيار 3 عملا فنيا استثنائيا.. أحيا الذاكرة الوطنية ونبه من نسوا جرائم الإخوان إلى تاريخ هذه الجرائم وصنع جماهيرية شديدة الاتساع ونسب مشاهدة غير مسبوقة.. لكن هل هذا كل ما نسعى لقوله هنا؟ بالطبع لا.
الحق أن الاختيار 3 يكرس ثقافة جديدة ..الثقافة من حيث هي فعل لتغيير وعي مجتمع كامل .. مسلسل يقدم للمشاهدين ما يمكن أن يقدمه مليون كتاب ومليون ندوة .. مسلسل يقدم ثقافة بصرية جديدة تقوم على التوثيق ..مسلسل يقدم الحالة الوطنية بلا خطابة بل بحوار واقعي مدعم بالتوثيق الذي يدين إرهاب الجماعة ..ثقافة بصرية جديدة ..متقدمة فنيا للغاية ..ومؤثرة وطنيا لأبعد الحدود ..نحتاجها بشدة في معركتنا ضد الإخوان وسنظل نحتاجها لكي نحمي مصر والعالم العربى منهم .