سنويا تجنى الدولة مليارات الجنيهات من متحصلات الغرامات المختلفة التى يتكبدها بعض المواطنين المخالفين، وللأسف فإن ما تجنيه الدولة من هذه الأموال على كثرتها لا يتعدى الـ%10 من المبلغ الذى من المفترض أن تجنيه، فأنا على يقين من أن عشرات الملايين من المصريين يعيشون حياتهم وهم مخالفون للوائح والقوانين بشكل أو بآخر، انتهاء رخصة قيادة، تلف فى البطاقة الشخصية، تأخر فى تسديد فواتير الكهرباء، تأخر فى تجديد رخص تسيير السيارة، اسم خاطئ فى البطاقة الشخصية، عدم توفير اشتراطات إقامة النشاط فى المحلات التجارية، عدم وجود طفاية حريق فى السيارة، عدم ترخيص العمارة أو البيت الذى تقيم فيه، عدم تسديد ضرائبك فى الوقت المحدد، سرقة تيار كهربائى، سرقة خط مياه، التجنى على الرصيف فى الشارع، بناء على مساحات مخالفة، بناء على أرض زراعية، عدم تقنين «وضع اليد» على إحدى قطع الأراضى، وغيرها من لائحة المخالفات الممتدة فى طول مصر وعرضها.
عقوبة بعض هذه المخالفات تقتصر على الغرامة، وتصل فى بعض المخالفات الأخرى إلى «الحبس»، لكننا مع هذا نعيش مع هذه الحياة المخالفة، وكأن كل شىء على ما يرام، فللأسف هناك ما يشبه الاتفاق العالم على التعايش السلمى مع المخالفات لعلها تسقط بالتقادم، وعلى هذا نجد أن هناك من يفتخر بأنه ارتكب هذه المخالفة منذ عشر سنوات مثلا ولم يستطع أحد الإمساك به، وغيره من يراكم المخالفة وراء المخالفة فتتعقد حياته بين يوم وليلة، ويودى بنفسه إلى التهلكة، وبهذا نكون خسرنا رجلا صالحا وكسبنا مجرما ناشئا.
أنت وأنا وملايين غيرنا نرتكب هذه المخالفات يوميا، ولا يخفى عليك بالطبع أن هذه المخالفات المتراكمة تعود بالضرر البالغ على مصر ومستقبلها وحاضرها، وللأسف السبب الرئيسى لهذه الحالة الشاذة، عالميا، هو تراخى القبضة الحكومية من جهة وفساد القبضة الحكومية من جهة أخرى، فلو نشطَّت الحكومة ذاكرة العقاب ستنهى هذه المخالفات فى يوم وليلة، فمن أمن العقوبة أساء الأدب، لكن الأزمة الحقيقية ليست فى عدم تطبيق العقوبات على المخالفين وإنما فى تطبيق العقوبات على «الملتزمين».
نعم نحن نطبق العقوبات على من يحبون الالتزام بالشكل الذى يجعلهم شاعرين بالندم على اليوم الذى عزموا فيه على الالتزام، فإلى الآن لا أعرف على وجه التحديد لماذا يستغرق استخراج البطاقة الشخصية فترة 15 يوما كاملة؟ وماذا يحدث فى هذه الأيام؟ وما الذى يتطلب عملا طوال هذه المدة؟ وإلى الآن لا أعرف لماذا تتميز مصر دون غيرها من بلاد العالم بكل هذه الإجراءات المفروض إنهاؤها إذا ما حاولت ترخيص شركة أو بناء عقار؟ وكيف تعاقب مصر من يركب سيارته ويقوم بمخالفة ما بأن يتردد على مكاتب المرور فى إنهاء المخالفة أو تجديد السيارة، فى حين أن التوك توك يعيث فى الأرض فسادا، لا ترخيص ولا تجديد ولا ضرائب ولا يحزنون؟ تلك التعقيدات التى تجعل من المواطن «عبدا» للمصالح الحكومية فى نظرى هى أكبر سبب فى أن يستسهل المواطنون المخالفة وهى أيضا، فى نظرى أكبر المصائب التى لابد أن نثور عليها.