الحادث البشع الذى شهدته مؤخرا مدينة الإسكندرية وراح ضحيته القس أرسانيوس وديد كاهن كنيسة محرم بك يثير الكثير من التساؤلات وعلامات الاستفهام التى لا نريد استباق التحقيقات وعمل الجهات الأمنية والقضائية فيها، خاصة أن جهات التحقيق لم تصرح رسميا باختلال عقل القاتل، وإنما هو من ادعى خلل عقله، وهذا ما ستشكف عنه التحقيقات والأيام القادمة . وسواء كان القاتل مختلا عقليا، أو استغل البعض أقامته السابقة بمستشفى للأمراض العقلية لاستخدامه فى هذه الجريمة، فان جانبا مهما آخر يلقى بظلاله على هذه الجريمة البشعة.
هذا الجانب هو المرضى العقليين الذين أقاموا فى مستشفيات الأمراض العقلية ثم تم إخراجهم وتركهم ليشكلوا خطرا على المجتمع بين قاتل ومدمن ومختل، يرتكبون جرائمهم ويتسببون فى مصائب وكوارث تهز المجتمع، وأحيانا ما تجد من يتعاطف أو يبرر، وضعيفهم يهيم على وجهه ليشكل خطرا واردا على كل من يمر به، فأفعاله غير محسوبه ولا متوقعه ولا منضبطه، وإذا ما ارتكب جرما فهو فى مأمن ذهاب العقل .
فمنذ شهور قليلة اهتزت مدينة الإسماعيلية لعملية ذبح فى وضح النهار وأمام المارة ودون محاولة تدخل من أحد، فى تطور خطير لشكل الجريمة فى بلدنا، والقاتل متخرج من أحد هذه المستشفيات، وها هو قاتل الكاهن أرسانيوس يدعى مرضه العقلى، وغيره عشرات تم إطلاقهم فى مدن وشوارع مصر المحروسة، بعد أن لفظهم ذويهم لعدم قدرتهم على احتوائهم فى أسرهم، وهو بالفعل أمر شديد الصعوبة، ثم ها هى مستشفيات الأمراض العقلية تسرحهم وتطلقهم فى المجتمع ليشكلوا خطرا داهما على المجتمع ولا أحد يتحرك.
فمنذ عام ٢٠١٠، حين تفتق ذهن البعض أن مستشفى العباسية للأمراض العقلية المعروفة بالسرايا الصفراء، والتى أنشئت عام ١٨٨٣، وتقدم خدمات لمائة ألف مريض سنويًا وبها ١٣٠٠ مريض مقيم - هى مكان استراتيچى مهم يمكن استغلاله فى مشروعات استثمارية أكثر أهمية، وبالفعل بدأت المستشفى فى تسريح عدد من المرضى وخفضهم، وتم تخصيص قطعة أرض مساحتها أقل فى مدينة بدر، حيث أن مساحة مستشفى العباسية ٦٨ فدانا، بينما مساحة مجمع بدر خمسون فدانا . وفشل تنفيذ الفكرة لكن بقى الكثير من المرضى فى شوارع مصر .
الحقيقة انه ليس مهما إن استمر العمل فى مستشفى العباسية للأمراض العقلية وعلاج الإدمان، أو انتقل إلى مدينة بدر أو حتى للمريخ، المهم أن يكون لدينا مراكز متخصصة ومتاحة للمرضى العقليين وعلاج الإدمان والأمراض النفسية ليس فى القاهرة فقط، ولكن فى العديد من المناطق والمحافظات حتى نيسر على هؤلاء المرضى وعلى ذويهم المبتلين بهذه الكارثة سهولة الانتقال، وحتى نخفف على الأمن عبء الجرائم البشعة التى ترتكب وتهز المجتمع .