مشروعية صيام الأطفال واحدة من القضايا الهامة التي تغيب عن الأسرة المصرية، التي غالباً ما تدفع أبنائها وبناتها الصغار إلى الصوم، دون أن يكون هؤلاء الأطفال في سن التكليف وفق صحيح الدين، فنجد صغاراً دون التاسعة يصومون رمضان كاملاً، حتى تحول الأمر إلى تباهى ومفاخرة بين الآباء والأمهات، مع العلم أن الدين لم يأمر الطفل الصغير بصيام ولم يكلفه بعبادات، استناداً على قول النبي صلي الله عليه وسلم في الحديث الذى رواه الإمام أحمد في مسنده: "رفع القلم عن ثلاثة، عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبى حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يعقل"، بما يؤكد أن الطفل الذى دون سن البلوغ غير مكلف بصيام.
في الوقت الذي تنفذ فيه الدولة مبادرات عظيمة، تحدث لأول مرة على أرض مصر، لمواجهة الأنيميا والتقزم والسمنة لدى الأطفال، في مراحل التعليم الابتدائي، خاصة أن مؤشرات ظهور هذه الأمراض في هذه السن باتت مرتفعة ومقلقة، وهو ما دفع الحكومة للتحرك، إلا أن البعض مازال يتحدث عن صيام الأطفال في سن الثامنة أو التاسعة، وهذا أمر خطير، لم يأمر به صحيح الدين، ويخالف الاشتراطات الصحية، ويؤثر على بناء جسم الطفل وصحته على المدى الطويل، خاصة أن ساعات الصوم تقترب من 15 ساعة، وهذا وقت طويل جداً قياسا على طفل في هذه المرحلة العمرية، لذلك بات من الضروري أن نمتنع عن هذه العادات، التي نظن أنها تقربنا من الله، في حين أنها إيذاء للنفس وإجهاد للصحة العامة للطفل، التي كلفنا الله أن نحافظ عليها.
دار الإفتاء المصرية أكدت في الفتوى رقم 13140 من خلال موقعها الرسمي أن أهم شروط وجوب الصيام هو البلوغ فلا تكليف إلا به، لأن الغرض من التكليف هو الامتثال، وذلك بالإدراك والقدرة على الفعل، بينما الصبا والطفولة عجز، بما يؤكد أن الصوم مرتبط بالبلوغ والعقل، وهذا لا يمكن أن يكون قبل سن 13 عاماً على الأقل، حتى يكون الطفل مهيأ نفسيا وبدنياً لإطاقة الصيام، وقد يستحب أن يُدرب على الصيام قبل ذلك حتى يعتاد الأمر، لكن ما يحدث من بعض الأسرة غير مقبول شكلاً وموضوعاً، خاصة أنهم يصورون الطفل آثماً إذا أفطر أو لم يقدر على الصوم، وبعضهم يعاقبه ويعتبر الأمر جريمة، خاصة إخوته الأكبر سناً، الذين يُعَيرونه بما فعل!
الصيام فريضة أساسية واجبة في كل الأديان، وإن اختلفت أشكالها، لكنها مرهونة بالاستطاعة والقدرة، مهم أن يتعلم الأطفال والصغار قيمة الصيام وأخلاقه، والعبادات والأدعية المرتبطة به، لكن ليس منطقياً أن نتباهى بأن طفلا في الصف الأول الابتدائي يصوم يوماً كاملا، دون أن ندرك خطورة وتأثير ذلك على صحته العامة، ومستويات نموه، خاصة أن الصيام مشقة وتعب وإجهاد لأعضاء الجسم، وليست له فوائد صحية أو بدنية، كما يروج البعض، والدليل على ذلك أن المريض معفى من الصيام، لذلك أتمنى أن نعلم أولادنا صحيح الدين، وفلسفة العبادات، ونرجع إلى الجهات المنوطة بالفتوى، دون أن يرتبط الأمر بعادات المجتمع أو تقليد الغير.