لو أردت اختبار حقيقي لقانون العرض والطلب في مصر، فلن تجد نموذجاً أهم من "الطماطم"، لتجعلها محوراً للتطبيق، فهي السلعة المثالية، التي تتحرك أسعارها وفقاً لوفرتها في الأسواق، وحجم المزروع منها، ومع حلول شهر إبريل من كل عام ترتفع لمستويات قياسية، خاصة أن هذا التوقيت يمثل فاصل زمني بين العروات الشتوية والصيفية، لكن سرعان ما تعود أسعارها للانخفاض مرة أخرى بين 2 إلى 5 جنيهات للكيلو جرام في البيع بالتجزئة، وأرخض من ذلك بمعدلات قد تصل إلى 100% في البيع بالجملة.
المصريون يطلقون على الطماطم "المجنونة"، نظراً للطفرات السعرية التي تحققها بين الحين والآخر، لكن لو أردنا وصفاً دقيقاً لها فهي "العاقلة" أو "العادلة"، التي تتحرك أسعارها دائماً وفق قانون العرض والطلب، والكميات المتاحة في الأسواق، فكلما توفرت قلت أسعارها، والعكس صحيح، لكن الأهم من كل ذلك أنها تعود لمستوياتها السعرية الحقيقية بسرعة كبيرة، دون أن تتحكم فيها احتكارات أو جشع التجار، على خلاف سلع أخرى مثل العصائر المعلبة، والألبان بمنتجاتها المتنوعة، فهذه السلع إذا تحركت للأمام وارتفعت أسعارها لا أمل في عودتها كما كانت مرة أخرى.
إذن ما السر الذي يجعل الطماطم مثالية في العرض والطلب دون غيرها؟ الحقيقة أن هذا السؤال كان يحيرني منذ الصغر، وقد صادفت إجابته في عدة نقاط، أولها أن الارتفاع السنوي في أسعار الطماطم يرتبط بشهر إبريل من كل عام، بسبب فاصل العروات الشتوية والصيفية، فالأولى انتهت ثمارها أو كادت أن تنهى، أما الثانية لم تخرج إلى الأسواق بعد، بينما السبب الثاني يتعلق بأن الطماطم سلعة غير قابلة للتخزين لفترات طويلة، وسريعة التلف، وغالباً ما يتم شراؤها طازجة، كما أن تخزينها غالباً ما يكون غير اقتصادي، لذلك لا تخضع لاحتكارات أو عمليات تخزين ضخمة كأى سلعة أخرى، بالإضافة إلى أن فاصل العروات هذا العام تزامن مع شهر رمضان، المعروف باستهلاكاته العالية من المواد والسلع الغذائية، خاصة الطماطم.
سبب مهم يجعل الطماطم سلعة نموذجية للعرض والطلب، مرتبط بأن مصر من أكبر 5 دول في العالم إنتاجا لها، تسبقها فقط الصين والهند وأمريكا وتركيا، بإجمالي إنتاج يصل إلى 7.9 مليون طن سنوياً في 3 عروات صيفية وشتوية ونيلية، على مساحة حوالي نصف مليون فدان، بما يحقق الاكتفاء الذاتي، والسماح بتصدير الفائض، بالإضافة إلى أن الطماطم متوفرة طول العام، وإن كان موسم زراعتها الأساسي صيفاً.
أتصور أن الطماطم سوف تعود إلى أسعارها الطبيعية خلال فترة من أسبوع إلى 10 أيام مقبلة على أقصى تقدير، حين يتم جنى بشائر العروة الصيفية، ووفرة الإنتاج بمعدلات تكفي احتياجات السوق، بجانب تراجع رغبة الغالبية العظمى في التخزين بعد انخفاض الأسعار بمعدلات مقبولة، وتدخل منافذ الحكومة لضخ كميات كبيرة إلى الأسواق.
الخلاصة من كل ما سبق أن الطماطم نموذج قياسي أو مثالي نحتاجه في أغلب السلع والخدمات التي نشتريها، لكن هذه المعادلة حتى تتحقق يجب أن تكون مرتبطة بسلع متوفرة محلياً، وإنتاجها يكفي، ويستهلكها عدد غير محدود من المواطنين، ولا يمكن تخزينها أو احتكارها لفترات طويلة، في هذه اللحظة ستصبح كل السلع طماطم!