نحن اليوم فى حضرة واحدة من الصادقات فى التاريخ المصرى الحديث، إنها الأميرة فاطمة ابنة الخديوى إسماعيل، التى تبرعت لصالح بناء الجامعة وما أدراك ما الجامعة ودورها وكيف انتقلت بمصر إلى الحداثة وفتحت آفاق المستقبل.
عندما تم افتتاح الجامعة فى 21 ديسمبر 1908 دخلت مصر مرحلة جديدة، وقد جاء ذلك بمشاركة عدد كبير من المصريين الوطنيين كانت منهم الأميرة فاطمة.
بدأت جامعة القاهرة بصفتها جامعة أهلية فى مكان قريب من التحرير، وحسب الموقع الرسمى لجامعة القاهرة، كانت الدار التى تقيم فيها الجامعة ليست ملكا لها، وكانت تنفق فى كل عام لإيجارها أموالا كثيرة، بلغت فى العام الواحد 400 جنيها، وكانت الجامعة فى حاجة لإنفاقات فى سبل أخرى، كالإرساليات والتعليم وغير ذلك، هذا بالإضافة إلى أن هذه الدار (وكان موقعها مقر الجامعة الأمريكية الآن) لا تفى بحاجاتها، ولا تصلح لأن تكون مقرا ثابتا لها، كما كان صاحبها "جناكليس" غير راغب فى استغلالها على سبيل الإيجار، وإنما كان يريد بيعها سواء للجامعة أو لغيرها، حتى لقد تدخل الأمير أحمد فؤاد، وطلب من "جناكليس" مد عقد الإيجار لأربع سنوات أخرى، فقبل الأخير على أن لا يؤجرها لهم بعد تلك المدة.
وعندما أطلع محمد علوى باشا الأميرة فاطمة (وكان طبيبا خاصا للأسرة) على هذه الظروف التى تمر بها الجامعة، إضافة إلى اختلال ميزانية المشروع التى كانت تهدده بالتوقف إذا استمرت تلك الظروف دون معونة جادة تضمن باستمراره وتقدمه وتوطيد أركانه، أعلنت له أنها على استعداد لبذل ما لديها لأجل ذلك. فأوقفت ستة أفدنة خصتها لبناء دار جديدة للجامعة، هذا بخلاف 661 فدانا من أجود الأراضى الزراعية بمديرية الدقهلية، من ضمن 3357 فدانا خصصتها للبر والإحسان وجعلت للجامعة من صافى ريعها (ريع 3357 فدانا و14 قيراطا و14 سهما) 40% بعد خصم استحقاقات ومرتبات يبلغ مجموعها 5239 جنيها كل سنة، وقدر إيراد هذه الوقفية بميزانية الجامعة بمبلغ 4000 جنيها سنويا.
وقد أجرت الجامعة احتفالا بوضع حجر الأساس للمبانى الموجودة حاليا لها فى يوم الاثنين الموافق 3 جمادى الأول 1322هـ / 31 مارس 1914م، فى الساعة الرابعة والنصف بعد الظهر، وذلك فى الأرض التى وهبتها الأميرة فاطمة.
وتصدر الاحتفال الخديوى عباس حلمى الثانى، ووضع الحجر الأساس بحضور الأمراء والنظار، وقاضى مصر، وشيخ الجامع الأزهر، وأكابر العلماء، وقناصل الدول، ورئيس وأعضاء الجمعية التشريعية، وذوى المقامات وأصحاب الصحف والأدباء فى مصر.
ولقد كتب على الحجر الأساس هذه العبارة: "الجامعة المصرية، الأميرة فاطمة بنت إسماعيل، سنة 1332 هجرية"، وأودع الحجر بطن الأرض، ومعه أصناف العملة المصرية المتداولة، ومجموعة من الجرائد التى صدرت فى يوم الاحتفال، ونسخة من محضر وضع الحجر الأساس، الذى توج بتوقيع الخديوى، والأميرة فاطمة، وتلاهما فى التوقيع الأمير "أحمد فؤاد باشا" رئيس شرف الجامعة، فرئيس وأعضاء مجلس إدارتها.
وأعلنت الأميرة فاطمة أن سائر تكاليف البناء سوف تتحملها كاملة والتى قدرت آنذاك بـ26 ألف جنيه، وذلك بعرض بعض جواهرها وحليها للبيع، وكانت قد أهدتها للمشروع، وأن على إدارة الجامعة أن تتولى بيعها وفقا لما يتراء لمصلحة الجامعة، فعندما عرضوها بالجامعة لم يتم التوفيق فى بيعها، فاتخذوا قرارا بأن يعرضوها للبيع خارج القطر المصرى، وقد تم.
وعلى هذا تعد الأميرة فاطمة واحدة ممن صنعوا نهضة مصر وتركوا أثرا يستحق الإشادة دائما.