كان طلعت حرب رجلًا صادق الوطنية، حمل على عاتقه فكرة البناء الاقتصادى لمصر، لأنه يعرف جيدًا أن التحرر الاقتصادي هو الفيصل فى نهضة الأمم، وأن الدول التى تظل خاضعة اقتصاديا للآخرين لا مستقبل لها.
عاش طلعت حرب فى الفترة بين عامي "1867–1941"، وقد آمن بفكرته وعمل على تحقيقها، وساعده فى ذلك أن الشعب كله كان يقف معه يؤمن بفكرته ويقدرها، فمصر بعد ثورة 1919 تغيرت كثيرًا، وصار الوقوف فى وجه المحتل واجبًا يقوم به كل إنسان بطريقته الخاصة.
لكن متى بدأت الفكرة فى عقل طلعت حرب؟ لقد كان ذلك مبكرًا بعض الشيء، فقد ألف كتابا بعنوان "علاج مصر الاقتصادى وإنشاء بنك للمصريين" فى عام 1911، واستمرت الفكرة مطروحة تبحث عن متنفس حتى جاء عام 1919 وصارت المطالبة ببنك يخص المصريين مطلبًا شعبيًا تكتب عنه الصحف ويتبناه كبار الكتاب الذين لم يتركوه حتى تحقق.
وتقول كتب التاريخ: إن البنك تأسس برأس مال 180 ألف جنيه، وتم تحديد قيمة السهم بأربعة جنيهات مصرية، وفى عام 1925 ارتفع رأس ماله إلى نصف مليون جنيه، ثم إلى مليون جنيه عام 1932.
ما يهمنا فى هذه القصة هو طلعت حرب نفسه، الذى كان شخصية شديدة الحيوية والديناميكية ينهض مبكرًا ويبدأ العمل فى السادسة صباحًا وظل يعمل لمدة خمس سنوات لمدة 15 ساعة يوميًا وبدون مقابل.
عن نفسى أرى أن قصة إنشاء بنك مصر بها أوجه متعددة على قدرة هذا الشعب على تحدى ظروفه، وعلى أنه إن اقتنع بفكرة ما لا يتركها حتى ينفذها، وأن مصر كانت حقا تجنى ثمار عصر نهضتها الفكرية، التى صنعها رجال بدايات القرن العشرين، وطبعًا ما نتج عن هذا البنك من اهتمامات متعلقة بالسينما والفنون وحتى بالجامعة المصرية كثيرة تدل فى مجملها على أن الأعمال الجيدة تتواصل وتتسع وتحقق نجاحات لا آخر لها.