نستطيع مواجهة بعبع الثانوية العامة بتكاتف مؤسسات الدولة
قلنا مرارا وتكرارا أن أزمة الثانوية العامة المستمرة منذ عقود تحتاج قرارات ثورية جريئة للتعامل معها من كل الجهات المعنية، وأولها الجهة التشريعية ورئاسة الوزراء والمحافظون، فالتركة ثقيلة ومحملة بالفساد والبيروقراطية، ومن الظلم أن نحمل وزير التعليم الحالى المسؤولية وحده، وأن نتركه يغرق دون مساعدة حقيقية، لأن غرق الوزير لم يكن ولن يكون أبدا نوعا من الحل، وإنما قد يهدئ ثورة الثائرين والمتضررين قليلا، وسرعان ما تنفجر من جديد مع مسؤول جديد وهكذا.
ما حدث فى امتحانات الثانوية العامة من تسريب للامتحانات، وبيع للأسئلة، وتكرار لمظاهرات الطلاب وأولياء الأمور فى جميع المحافظات، بعد قرارات حازمة لوزير التعليم، يحاول من خلالها التعامل مع الخراب والفساد داخل الوزارة من ناحية، ومواجهة أشكال التسريب والمسربين من الطلاب والأساتذة والتجار وأعضاء الإخوان الذين يكيدون للبلد، ويعملون على خلق الأزمات من القضايا الأكثر شعبية من ناحية أخرى، وجميعهم يستخدمون وسائل التواصل الحديثة التى لا يمكن لوزارة التعليم بمفردها السيطرة عليها أو مواجهتها.
لست فى معرض الدفاع عن وزير التعليم، ولكن القضية أكبر منه فعلا ولو تقاعست مؤسسات الدولة المختلفة عن التصدى لها مجتمعة وبأعلى درجات التنسيق والمتابعة، فلن تنجح وزارة التعليم ولا الداخلية ولا أى وزير، حتى لو كان شرلوك هولمز، على وقف التسريب والغش الممنهج فى الامتحانات، وعلى الذين يحللون ما يجرى فى امتحانات الثانوية أن يتوقفوا قليلا أمام تصريحات الوزير التى أعلن فيها إحالة 400 قضية للنيابة الإدارية والنيابة العامة خلال الـ9أشهر الماضية فقط، كما أعلن أن الوزارة تقوم بأكبر عملية تطهير لصفوفها وإعادة تنظيم كوادرها الأساسية.
ولو وضعنا تصريحات الوزير الأخيرة إلى جانب تفاصيل أكبر قضية لتسريب الامتحانات، وكيف أن المتهمين الرئيسيين كانوا من أقارب الموظفين الأساسيين بالمطبعة السرية، والمرتبطين بشبكة من المدرسين فى عملية تجارية مستمرة منذ سنوات، نعلم إلى أى مدى يتغلغل الفساد داخل وزارة التعليم حتى وصل إلى المطبعة السرية، فهل مطلوب من وزير التعليم بمفرده أن يواجه مافيا الغش والتسريب داخل وزارته، وأن يطارد صفحات الغشاشين بدلا من الداخلية، وأن يضع تشريعا قانونيا لمواجهة وسائل التواصل الاجتماعى سلاح الغشاشين؟! يكفى على وزير التعليم أن يطهر وزارته من الفاسدين والمرتشين والمنتمين لجماعة الإخوان، وأن يضع الكوادر والخبرات فى موضعها الصحيح لتطوير مناهج الوزارة، وإعادة التفكير فى أزمة الثانوية العامة من جديد، ولكن على البرلمان أن يجد الحل التشريعى الملائم حتى يمكن التعامل مع صفحات الغش والغشاشين بالسرعة المطلوبة، ولننظر فى تجارب الدول العربية والأجنبية التى استطاعت مواجهة أزمة التسريب فى الامتحانات المهمة ولنتعلم من خبراتها.
كتبت سابقا فى هذا المكان عن ضرورة التعلم من التجربة الجزائرية فى مواجهة الغش والتسريب، وكيف اتخذ المسؤولون الجزائريون قرارا بحجب مواقع التواصل وقطع الإنترنت، ولم يبالوا بالاعتراضات المجتمعية على هذه الخطوة، التجربة الجزائرية الناجحة، إذن،يمكن أن تلهمنا الحل لمواجهة وباء الغش والتسريب، ويستخدمه البعض كنوع من النضال المزيف ضد الدولة المصرية ومؤسساتها، فماذا لو تحملنا حجب مواقع التواصل الاجتماعى خلال شهر امتحانات الثانوية العامة هذا العام، حتى نستعد وننظم صفوفنا من العام المقبل، ماذا لو شوشنا على مناطق اللجان خلال الامتحانات؟ المهم أن تتكاتف مؤسسات الدولة لاستيعاب أزمة الثانوية العامة هذا العام والتخطيط لمواجهتها باحترافية من العام المقبل مع إشراك الطلاب وأولياء الأمور فى اقتراح الحلول.
هل نستطيع؟ نعم نستطيع.