هذه الكلمات كتبها صديقى المهندس جمال عبدالناصر، ونشرها على صفحته على الفيس بوك، عارضا فيها تجربة حياتية، وأنقلها هنا ببعض التصرف لما بها من ألم وأمل وحكمة وحنكة:
يحدث كثيرا أن يبتلى الإنسان فى ماله لأى سبب، لكن المؤلم جدا أن يكون ذلك ناتجا عن خديعة، وأسوأ الخدائع أن تأتى من شخص كان محل ثقتك، هنا يكون الغدر هو مصدر الإيلام، ولقد جربت كل تلك الأحاسيس، خبرتها جهارا نهارا، تقلبات الدنيا، وسوء التقدير، وغدر الأصحاب ونفاق المتلونين، أنا اليوم والحمد لله كثيرا لا أندب حظى ولا أطلب مواساتى، بل أواسى زملاء لى أعتز بهم وأقدر مشاعرهم، تعرضوا لضربة موجعة وضاعت كل أموالهم فى غمضة عين.
أخبرونى كيف كان المحتال معسول اللسان جم الأدب، فقلت إنهم فى الغالب يكونوا هكذا، أخبرونى عن تدينه، وذكر الله على لسانه وصلاته كل فرض، والحجة السنوية والعمرة ربع السنوية، فضحكت ضحكا شديدا، إذ إن كل من استحلوا أموال الناس بالباطل كانوا بنفس الهيئة الدينية القشرية، وهم لا يعرفون شيئا عن الله ولا عن رسوله، ولم يتخلقوا بخلق الإسلام قط، ولكن يا أشقائى يا من فجعتم فى أموالكم هذا الأسبوع، تأكدوا أن عين الله لا تنام، والله كفيل بالظالمين وانتقامه أعجل وأعدل مما تتخيلون جميعا ولسوف ترون بأنفسكم.
سأحكى حكاية صديق كان يعمل بالمقاولات، وتعامل مع «شركة كبرى» أكلت مستحقاته فى غمضة عين، ولكونه رجلا لا يترك حقه كان يوميا لمدة سنة ونصف السنة يتوجه إلى تلك الشركة، مطالبا بمستحقاته دون جدوى، وذات يوم دعوته إلى بيتى بإلحاح، لكى يمكث معى يومين، مدعيا أنى أحتاج وجوده لأمر مهم، وفاتحته فى أمر المبلغ المعلق له فى تلك الشركة، ونصحته بنسيان ذلك الموضوع برمته، فلما اندهش من نصيحتى قلت له تخيل أننا الآن لا نملك إلا ما فى جيبك «كان ثلاثمائة جنيه»، ونريد أن نبدأ بهم من الصفر، قال ماذا أفعل؟ قلت له ابدأ فى التعامل مع جهات أخرى، قال فى بلدتنا «المنصورة» لا توجد فرص لشركات المقاولات الصغيرة إلا بالعمل كمقاول باطن لدى إحدى تلك الشركات الكبيرة، التى غالبا ما تستحل أموال مقاول الباطن، قلت له لا أريدك أن تعمل مقاول باطن بعد الآن، أريدك أن تكون مقاولا رئيسيا، وكانت أمامنا جريدة الأهرام، فتحتها على صفحة عطاءات ومناقصات، ورأيت إعلانا من شركة مصر للبترول لعملية إنشاء محطة بنزين وغاز بطلخا بالمنصورة، وكان ثمن كراسة الشروط 200 جنيه، فتوجهنا اليوم التالى صباحا لشراء الكراسة وتسجيل اسم شركته ثم إلى المكتب لدراسة العملية، ووضع الأسعار والسؤال عن الخامات والمواد المستخدمة والعمالة الفنية الماهرة التى تستطيع تنفيذها، وقدم عطاءه وفاز بالمناقصة، واليوم بعد مرور 20 عاما بالضبط على تلك الواقعة ما زال صديقى يعمل فى نفس المجال، بل من خبرائه وأحد أعمدته، ونجح فيه نجاحا باهرا، ولم يسترد أموال «الشركة الكبرى» قط ولا حتى تذكرها.