يأتى الكاتب العالمى نجيب محفوظ على رأس الصادقين المخلصين، فقد صدق مع نفسه وفنه، مع حياته اليومية وإبداعه الخالد، وفعل كل ذلك بسلاسة يحسد عليها، وبدأب يليق به، وبحب لا يتكرر كثيرا.
منذ البداية كان نجيب محفوظ ذا بصيرة، اختار أفكاره ومبادئه وطريقة العيش كما يروق له ويتفق مع هدوء نفسه، نعم لقد عرف نفسه وأقنعها بما يريده، وحدد مستقبله فى الكتابة، فى السرد خصوصا، وراح يكتب كل عمل كأنه عمله الوحيد، لا يعتمد على تاريخ سابق ولا يثق فى مستقبل آت.
وقد منحه الله سبحانه وتعالى العمر الطويل (1911- 2006) فقضى ذلك كله يصيغ بيده حضارة خالدة، تليق بمصر بماضيها ومستقبلها، نعم هو موهوب، لكنه يعرف أن الموهبة نفسها لا تصنع شيئًا دون كد وكدح، ولأنه خبر الحياة حلوها ومرها اختار منها ما يضمن إنسانيته وما يمنح روحه الرضا ويرسم على شفتيه ابتسامة.
إن نجيب محفوظ حالة إنسانية قبل أن يكون حالة إبداعية، لم يعرف الغرور إلى نفسه سبيلا على ما وصل إليه من إبداع ومجد، آمن بنفسه لكنه لم يخضع لسيطرتها، بل روضها، كما روض الوقت.
لقد كانت رؤية نجيب محفوظ للإنسان واسعة، ولأنه شخص اجتماعي بطريقته فقد خبر النفوس البشرية وطباعها وتقلباتها، وصاغ كل ذلك إبداعا لا ينضب ولا تنضب قراءته ودراسته.
ولأن الجدية في العمل أصل فيه، ولأنه يحترم القارئ حقق النجاح منذ أعماله الأولى، منذ الثلاثية الفرعونية، وما تلاها، وعندما صاغ الثلاثية الشهيرة (بين القصرين وقصر الشوق والسكرية) اكتمل حاله بين الناس، وصار يشار إليه بالبنان واحدا من أفضل الكتاب، ومع الزمن والإبداع المتوالى صار في المقدمة بينه وبين الآخرين مسافات.
لقد تعرفنا على نجيب محفوظ من إبداعه ومن الحوارات الصحفية التي أجراها والفيديوهات المسجلة وكل ذلك تكشف الكثير عن شخصيته، وكشف الكثير أيضا عن مصر التي عاشها وكتب عنها وحلم لها.
كان نجيب محفوظ صاحب سر ، كما يقولون، وسره قائم على الثقة بالله والنفس وعماده العمل والكدح، وتوقع النتيجة الطيبة.