قبل ما يقرب من 9 سنوات وتحديدا فى 8 يونيو 2014، كان خطاب الرئيس عبدالفتاح السيسى إلى الشعب المصرى من قصر القبة فى احتفال تنصيبه رئيسا للجمهورية، واضحا وصريحا ومحددا، وكأنه أراد وقتها صياغة عقد اجتماعى شامل، يمهد لما بعد تحقيق الأولويات والطموحات، سعيا للاستقرار والإنجازت، لتدشين «الجمهورية الجديدة»، التى أعلن عنها الرئيس السيسى فى مارس 2021.
من بين ثنايا خطاب تنصيبه بقصر القبة، كانت هناك فقرتان تذكرتهما بالأمس، عندما قال الرئيس السيسى: «إننى أعى وأقدر تماما الإرث الثقيل من التجريف السياسى والتردى الاقتصادى والظلم الاجتماعى وغياب العدالة التى عانى منها جميعا المواطن المصرى لسنوات ممتدة، ولكنه ليس من الأمانة أو الواقعية أن أعد المواطن المصرى البسيط بالتخلص من هذه التركة المثقلة بمجرد تقلدى مهام منصبى الرئاسى، لكنى أشهد الله تعالى أننى لن أدخر جهدا لتخفيف معاناته ما استطعت، فلن أعارض مقترحا فى صالحه، وسأتخذ ما يمكن من إجراءات للبدء فى تحسن أوضاعه، ولن أتوانى يوما أن أضمد جراح أى مصرى أو أن أساهم فى تخفيف آلامه أو تبديد خوفه على أحد من أبنائه. وفى سبيل تحقيق ذلك سنعمل معا جميعا من أجل أن ينعم كل مواطن مصرى بالسعادة والرفاهية فى ظل مصر الجديدة تنعم بالاستقرار والرخاء.. أتطلع إلى عصر جديد يقوم على التصالح والتسامح من أجل الوطن، تصالح مع الماضى وتسامح مع من اختلفوا من أجل الوطن وليس عليه ، تصالح ما بين أبناء وطننا باستثناء من أجرموا فى حقه أو اتخذوا من العنف منهجا، أتطلع إلى انضمام كل أبناء الوطن، كل من يرون مصر وطنا لنبنى سويا مستقبلا لا إقصاء فيه لمصرى، وتحقيق العيش والحرية والكرامة الوطنية والعدالة الاجتماعية، وأما من أراقوا دماء الأبرياء وقتلوا المخلصين من أبناء مصر، فلا مكان لهم فى تلك المسيرة، وأقولها واضحة جلية، لا تهاون ولا مهادنة مع من يلجأ إلى العنف، ومن يريدون تعطيل مسيرتنا نحو المستقبل الذى نريده لأبنائنا، لا تهاون ولا مهادنة مع من يريدون دولة بلا هيبة».
تذكرت هذه الكلمات الدقيقة فى صياغتها، البديعة فى نظمها، والمحددة فى رسالتها، وأنا أستمع لكلمة الرئيس السيسى فى حفل «إفطار الأسرة المصرية» الذى عقد فى فندق الماسة بالقاهرة وكنت أحد المدعوين إليه.
لم يخِل الرجل ببنود هذا الميثاق الشامل، ولم يتهرب من مضامينه، ولم يبدد أوراقه، إنما كان منذ اليوم الأول، كاشفا لشكل المرحلة، متشبثا بالأمل رغم التحديات، قادرا على حمل أحلام هذا الوطن رغم حملات التشكيك ومحاولات الهدم المستمرة من خفافيش الفوضى والظلام، فعودنا على صراحة لم نأنفها ولم نألفها مع من حكمونا على مدار عقود سابقة، وجعلنا نمسك معه بتلابيب كل شىء لنسير نحو تحقيق الطموحات والأحلام، فيما لم يعتد سابقوه على مشاركة الشعب أحلامه، فقط كانت الدائرة الأولى هى من تعرف وتُستشار وتشارك.
لقد استند الرئيس السيسى - خلال إفطار الأسرة المصرية - إلى حديث النبى صلى الله عليه وسلم: «عليْكُم بِالصِّدْقِ، فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِى إِلَى الْبِرِّ، وإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِى إِلَى الْجَنَّةِ، ومَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ ويَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا..» ليؤكد أن الصدق هو فلسفته وعهده مع الشعب المصرى ولا شىء سوى الصدق مهما كانت آثاره ومرارته، حيث قال إن عهده مع الشعب دائما هو الصدق فى القول والإخلاص فى العمل والنوايا والتجرد من الانتماء إلا للوطن ابتغاء لوجه الله سبحانه وتعالى، كما طالب الرئيس المثقفين والمفكرين والسياسيين والإعلاميين بتحمل مسؤوليتهم الكبيرة فى الحفاظ على البلد حتى يتشكل وعى حقيقى لدى المجتمع، حيث إن الفصيل الذى كان موجودا «الإخوان» لعب دورا كبيرا فى التشكيك على مدار 90 سنة، وما زال يشكك.
شهد حفل الإفطار إعلان الرئيس السيسى عن عدد من التوصيات والقرارات المهمة، وقد نُشرت فى جميع وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعى وأخذت حيزا كبيرا فى الانتشار، خاصة أنها جاءت فى حضور رموز المعارضة والتيارات السياسية والحزبية وممثلى كل فئات المجتمع المصرى من الإسكندرية شمالا إلى أسوان جنوبا ومن سيناء شرقا إلى مطروح غربا.
لكننى سأتوقف عند توجيه فى غاية الأهمية فى مضمونه وتوقيته، ويتوافق وينطلق مع انطلاق الجمهورية الجديدة، وهو تكليف الرئيس إدارة المؤتمر الوطنى للشباب بالتنسيق مع كل التيارات السياسية الحزبية والشبابية لإدارة حوار سياسى حول أولويات العمل الوطنى خلال المرحلة الراهنة ورفع نتائج الحوار الوطنى إليه شخصيا، حيث تعهد بحضور المراحل النهائية منه.
لقد أكد الرئيس السيسى، أنه كان حريصا على الإصلاح السياسى ولكن الأولويات هى من أجّلت هذا الأمر، ثم قال معقبا على هذا التكليف بأن الحوار سيتم بين جميع القوى دون استثناء أو تمييز، وعقب خروج مخرجات له، يتم عرض ذلك على مجلسى النواب والشيوخ حتى يكون هناك مزيد من النقاش حول القوانين.
أطلق الرئيس هذه الدعوة، ومعها باقى القرارات المهمة، لتخرج بيانات التأييد من كل المؤسسات والهيئات والنقابات والتيارات والأحزاب وأعضاء البرلمان المصرى بغرفتيه «الشيوخ» و«النواب»، لتؤكد أن دعوة الرئيس السيسى لحوار سياسى وطنى واسع يضم مختلف أطياف المجتمع السياسية والنقابية والمدنية وغيرها، على قاعدة الشرعية الدستورية والقانونية، نقلة نوعية فى المسار السياسى للدولة المصرية بعد ثورتى 25 يناير 2011 و30 يونيو 2013، ما يفتح الآفاق أمام التعايش والتوافق بين كل هذه الأطياف، من أجل مصلحة مصر وشعبها العظيم.
الآن، نحن جميعا أمام فرصة ذهبية لإدارة هذا الحوار السياسى الشامل بين الدولة وكل القوى السياسية الوطنية دون استثناء أو تمييز - إلا من جماعات العنف وضرب الهوية المصرية - وخروج هذا الحوار بالنتائج المرجوة فى كل المجالات، لننتقل معا إلى جمهورية جديدة تتسع للجميع من أجل البناء لا الهدم، من أجل تحقيق الإنجازات، لا تعطيلها بتزييف الوعى والشعارات، من أجل مستقبل مشرق لأولادنا ولأحفادنا فى دولة قوية عفية واعية متقدمة، لا لـ«شبه دولة» تلفظ أبناءها وتستسلم لأفكار جامدة وتزييف للأدمغة وتعانى من بيروقراطية مجحفة وفساد ينخر فى عظامها وأركانها لتسقط خاوية على عروشها دون أى محاولات للمقاومة.
نحن أمام مكاسب كبيرة يمكن أن تتحقق على الأرض بفضل هذه القرارات والتوصيات التى كلف بها الرئيس السيسى الحكومة والجهات المعنية، بعد أن مهّد الطريق لتحقيق تلك الإجراءات خلال السنوات الماضية بكل ما فيها من آلام وتضحيات ودماء الشهداء حتى تستعيد الدولة استقرارها وأمنها وسلامها، لتخطو على طريق تحقيق الأهداف المرجوة التى تعهد بها الرئيس السيسى فى خطاب التنصيب 2014.
إذن.. لا خير فينا كإعلاميين ومثقفين ومفكرين ومبدعين وأحزاب سياسية وكيانات إن لم ننتهز هذه الفرصة التاريخية، لنضع جميعا أيدينا فى يد الدولة المصرية والمشاركة والمتابعة بفاعلية وتجرد وإخلاص فى هذا الحوار السياسى الوطنى وكل منا يقدم رؤيته وأفكاره وتجاربه، نتحاور ونتناقش ونتفاعل، نختلف فى الأفكار والإجراءات والأطروحات، لكننا لا نختلف أبدا على الوطن، ولا نسمح لأحد أن يشكك فى قدراتنا وخارطة طريقنا التى رسمناها وصولا إلى جمهوريتنا الجديدة.
لقد شدد الرئيس السيسى، على أن الوطن أقوى من المتربصين به، وأغنى مما يظن المشككون فيه، فمصر التى تدشن الجمهورية الجديدة قادرة على تخطى الصعاب وإحالة التحديات إلى فرص.. مصر الجديدة دولة مدنية ديمقراطية حديثة تتسع لكل أبنائها وتسعى للبناء والتنمية.