على مدار اليومين الماضيين صار التكدس والزحام أمام البنوك علامة مميزة، وواقع ترصده الأعين، ولا يسر الناظرين، أعداد كبيرة وتجمعات ضخمة أمام الفروع منذ السابعة صباحاً، بحثا عن "دور"، وسط هذه الجموع الغفيرة التي ظهرت فجأة، للحصول على الخدمات المصرفية قبيل إجازة العيد، التي تصل إلى حوالي 10 أيام هذا العام، تتعطل خلالها المصارف عن العمل بشكل كامل، وتتوقف التعاملات المباشرة، وتقتصر فقط على الخدمات الهاتفية والطوارئ أو الانترنت البنكية.
هل التكدس أمام البنوك له علاقة بصرف مرتبات شهر إبريل، في توقيت قبل العيد، خاصة أن كل البنوك ستبدأ إجازة من الغد، أم له علاقة بشهادات الـ 18% التي تلاقي رواج كبير من المواطنين في الوقت الراهن، أم له علاقة مباشرة بقدوم العيد، وحاجة الناس للأموال الكاش لشراء المستلزمات وإنهاء مصالحهم قبل فترة الإجازة، التي ذكرت من قبل أنها قد تكون الأطول هذا العام.
قبل يومين أصدر البنك المركزي، المؤشرات الرئيسية للشمول المالي، وقد أظهرت معدلات نمو بلغت 115%، ليصل إجمالي المواطنين الذين لديهم حسابات تمكنهم من إجراء معاملات مالية، وتشمل الحسابات في البنوك أو البريد المصري، أو محافظ الهاتف المحمول أو البطاقات مسبقة الدفع إلى 36.8 مليون مواطن، ووفقاً لبيان سابق للبنك المركزي فإن إجمالي عدد ماكينات الصراف الآلي بالقطاع المصرفي وصل إلى 20.100 ماكينة بنهاية 2021، بعدما كان العدد 13600 ماكينة فقط في 2020.
بالفعل حدث تطور كبير في أعداد ماكينات الصراف الآلي التابعة لمختلف البنوك، خاصة الحكومية، خلال الفترة الماضية، لكن لا شك أن أعداد هذه الماكينات مازالت غير كافية للملايين الغفيرة التي باتت لها حسابات بنكية، وتعتمد على البنوك بصورة رئيسية في صرف المرتبات الشهرية، لذلك بات مهما أن يتم التوسع في هذه الماكينات بصورة أكبر لتخفيف التكدس والزحام عليها، ويضمن شكل لائق للمتعاملين مع البنوك، بدلاً من التجمع في الشوارع، والاصطفاف في طوابير أشبه بطوابير الخبز قبل 15 عاماً.
على الرغم من التكدسات الواضحة في القاهرة الكبرى أمام البنوك بسبب قلة أعداد ماكينات الصراف الآلي، أو عدم وجود أموال كافية في بعضها، إلا أن هذا الوضع أفضل بكثير من المحافظات، والمناطق خارج القاهرة، حيث تمتد الطوابير لمسافات طويلة، لدرجة أن بعضهم، يصلي الفجر ويتوجه إلى ماكينة الصراف الآلي لحجز دور متقدم، حتى يتمكن من صرف راتبه الشهري أو معاشه، أو حتي مدخراته، خاصة في المواسم والأعياد، فهذه المناطق تحتاج إلى اهتمام ودعم من البنوك المختلفة، وهناك قرى بالكامل يزيد عدد سكانها عن 30 ألف مواطن ولا يوجد بها ماكينة صراف آلي واحدة، وهذا بدوره يخلق ضغطاً على الماكينات الموجودة في مراكز المدن، فإما تنفد أموالها أو يترك الراغبون في الخدمة مواقعهم مللا وسخطا، أيهما أقرب.
يجب أن يكون الشمول المالي محقق على الأرض وليس مجرد أرقام وبيانات، بالفعل صارت هناك طفرة في أعداد من لديهم حسابات بنكية على مدار السنوات الماضية، لا يمكن لأحد أن ينكرها، لكن هذه الأعداد قطعاً تحتاج من يخدمها فنياً وتكنولوجياً، لذلك يجب أن تكون هناك حلول مستقبلية جادة، تحول الشمول المالي من دائرة البيانات والأرقام إلى واقع عملي يشهده الجميع.